وقال العلامة ابن فرحون المالكي -رحمه الله- وهو يعدد بعض ما جاء في السنة من الاعتماد على الشواهد في الأحكام: [وَمِنْ ذَلِكَ حَكَمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَجْمِ الْمَرْأَةِ إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمَلٌ، وَلَيْسَ لَهَا زَوْجٌ، وَجَعَلَ ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ فِي أَنَّهَا زَانِيَةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَاءَ الْخَمْرَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ تَعْدَادُهُ، وَقَدْ اسْتَوْعَبْنَاهُ فِي بَابِ الْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ، فَمَتَى ظَهَرَ الْحَقُّ وَأَسْفَرَتْ طَرِيقُ الْعَدْلِ، فَثَمَّ شَرْعُ اللَّهِ وَدِينُهُ] (?)

الدليل الخامس: عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَهُمْ: أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ، فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ، وَاسْتَوْخَمُوا المَدِينَةَ، «فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَوْدٍ وَرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا»،فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الحَرَّةِ، كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، «فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ» (?)

فقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على جواز الاعتماد على القرائن والشواهد في الأحكام، حيث لم يُنقل أن ما فعله هؤلاء قد ثبت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشهادة ولا بالإقرار، ولكن انفرادهم براعي النبي - صلى الله عليه وسلم -،وفرارهم بما أخذوه من سرحه يعد أعظم دلالة على اقترافهم للجريمة من شهادة الشهود.

قال العلامة ابن فرحون وهو يذكر بعض السنن في الاعتماد على شواهد الحال: [وَمِنْهَا: أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ بِالْعُرَنِيِّينَ مَا فَعَلَ بِنَاءً عَلَى شَاهِدِ الْحَالِ، وَلَمْ يَطْلُبْ بَيِّنَةً بِمَا فَعَلُوا وَلَا وَقَفَ الْأَمْرَ عَلَى إقْرَارِهِمْ. وَمِنْهَا: حُكْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحَابَةُ مَعَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015