فالقسامة تشرع في القتيل يوجد ولم يعلم قاتله، واتهم به شخص، ولم تكن بينة، وقامت القرائن على صدق المدعي، وفي الأخذ بها وما يترتب عليها من قصاص أو دية خلافٌ بين العلماء، والحديث الصحيح يدل عليها، والمقصود هنا، هو أن الشرع لم يهدر دم القتيل بسبب عدم وجود البينة أو الإقرار، بل شرع طريقاً أخرى مع وجود (اللوث) وهو: [القرينة الدالة على حدوث أمر من الأمور دون دليل قاطع، ومنه قولهم في القسامة: إذا قتل في محلة ولم يعرف قاتله، وبين المقتول وهذا الحي لوث] (?)
وصوراللوث عديدة وقد اختلف العلماء في كثير منها، ولكن مدارها على ما ذكرنا، وهو قيام قرينة ينشأ عنها غلبة الظن بصدق المدعي، ولهذا تحتاج إلى التأكيد بالأيمان المكررة من أولياء دم القتيل، مع أنهم لم يشهدوا عين القاتل ولا صفة القتل، وإذا فعلوا ذلك استحقوا دم الرجل الذي عيّنوه.
فالشرع في هذه الصورة، لم يهدر دم القتيل لعدم معرفة عين قاتله، ولم يكلفهم تحصيل الشاهدين العدلين -وهو يعلم عجزهم عنه- لأن ذلك يؤدي إلى شيوع القتل وانتشاره مع بقاء القتلة في مأمن من سيف القصاص، بل شرع طريقاً آخر تحفظ به الدماء وتصان به الأنفس بناء على غلبة الظن الحاصلة من اللوث والأيمان معاً، فإذا كان الاعتماد على القرائن وشواهد الحال مشروعاً في قتل المتهم مع أن ضرره وقع على نفسٍ واحدة، والشرع قد جعل لذلك بديلاً وهو الدية، وقد يكون دافع القتل عداوة دنيوية مجردة، فكيف بالقرائن وشواهد الأحوال التي يحصل بها اليقين غالباً والتي يؤدي إهدارها وإلغاؤها إلى تسلط الكفرة على المسلمين، واستفحال القتل في خيارهم، مع أن الأمر لا يتعلق بقتل شخص ولا شخصين بل بحرب منظمة مستمرة تستهدف استئصال الساعين لإقامة دين الله تعالى والمجتهدين في أن تكون كلمته هي العليا، وليس بين هؤلاء وبين المتهمين بالتجسس إلا عداوة الدين الخالصة، أليس هؤلاء أولى بأن تهدر دماؤهم ويدفع شرهم اعتماداً على