ولهذا فالذين منعوا قتل (الجاسوس المسلم) محتجين بحديث عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ " (?)
يظهر -والله أعلم- أن احتجاجهم غير مسلَّم، لوجود حالات زائدة عن هذه الثلاثة جوز فيها الشرع قتل المسلم كقاطع الطريق، وفاعل فعل قوم لوط وغيرهما.
وقد عدد الإمام ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- كثيراً من الصور التي أبيح فيها دم المسلم سوى الثلاث التي ذكرت في هذا الحديث ثم قال: [وَمِنْهَا قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ إِذَا تَجَسَّسَ لِلْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَأَبَاحَ قَتْلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ قَالَ: إِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ أُبِيحَ قَتْلُهُ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَبَاحَ قَتْلَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَقِّ «حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ لَمَّا كَتَبَ الْكِتَابَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِسَيْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِأَخْذِ حِذْرِهِمْ فَاسْتَأْذَنَ عُمَرُ فِي قَتْلِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا» فَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُبِيحُ دَمَهُ، وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِوُجُودِ مَانِعٍ مِنْ قَتْلِهِ، وَهُوَ شُهُودُهُ بَدْرًا وَمَغْفِرَةُ اللَّهِ لِأَهْلِ بَدْرٍ، وَهَذَا الْمَانِعُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ مَنْ بَعْدَهُ.] (?)
وقال الإمام ابن العربي -رحمه الله-: [وَقَدْ جَاءَ الْقَتْلُ بِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ أَشْيَاءَ، مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَلَا تَعَلُّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَحَدٍ.] (?)
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- في كلامه عن التعزير: [وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْقَتْلَ مِثْلَ قَتْلِ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ؟ فِي ذَلِكَ " قَوْلَانِ " أَحَدُهُمَا قَدْ يَبْلُغُ بِهِ الْقَتْلَ فَيَجُوزُ قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ إذَا قَصَدَ الْمَصْلَحَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَد كَابْنِ عَقِيلٍ وَقَدْ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي قَتْلِ الدَّاعِيَةِ إلَى