ولكن أجاب بأن هذا ليس بمنافق ولكنه من أهل بدر المغفور لهم فإذا أظهر النفاق الذي لا ريب أنه نفاق فهو مبيح للدم.] (?)
الأمر الثاني: تعليق عمر رضي الله عنه جواز قتله لحاطب على نفاقه الذي اعتقده فيه، فأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا التعليق، وإنما نهى عن قتله من جهة بيان وجود مانعٍ وهو شهود حاطب لبدر وهي خصيصة له منتفية في حق غيره، وعلمنا من ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاطب، وإخباره بمغفرة الله لأهل بدر، وقوله في حق حاطب (قد صدقكم) أن حاطباً لم يكن منافقاً، وأن مَن فعل مثل فعله جاز قتله لعدم وجود المانع من ذلك وهو شهود بدرٍ.
ولو كان المانع من قتل حاطب هو إسلامه، لما كان لذكر شهوده بدراً فائدة، ولقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: كيف تقتله وهو مسلمٌ؟!
قال القاضي عياض المالكي -رحمه الله-: [وقول عمر: (دعني أضرب عنقه):حجة فى جواز قتل الجاسوس المسلم، فإن النبى - عليه الصلاة والسلام - لم ينكر ذلك من قول عمر، وإنما عذره بغفران الله لأهل بدر ذنوبهم؛ ولأنه لم يكن منه قبل مثلها. فيه حجة لمن لا يرى أن حده القتل بكل حال، وأن للإمام الاجتهاد فيه ألا يقتله، وهو قول مالك.] (?)
قال الإمام الشوكاني -رحمه الله-: [قَوْلُهُ: (إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَرْكِ قَتْلِهِ كَوْنُهُ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْقَتْلِ فَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يُقْتَلُ الْجَاسُوسُ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ] (?)
وقال السهيلي -رحمه الله-: [وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى قَتْلِ الْجَاسُوسِ فَإِنّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - " وَمَا يُدْرِيك يَا عُمَرُ لَعَلّ اللهَ اطّلَعَ إلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ "،الْحَدِيثَ فَعَلّقَ حُكْمَ الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِهِ بِشُهُودِ بَدْرٍ فَدَلّ عَلَى أَنّ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ وَلَيْسَ بِبَدْرِيّ أَنّهُ يُقْتَلُ.] (?)