فهو قد يدل على عورة مسلم، أو يؤيد الكفار بقول شيء يحذره فيه من أن المسلمين يريدون منه (أي الكافر) غرة فيحذر (الكافر) منها، أو يؤيد المسلمُ الكافرَ بخبرٍ فيتقدم (الكافر) في نكاية المسلمين، وهذا بيّن بحمد الله] (?)

هذا وليس مقصودي هنا هو ادعاء الإجماع على كفر الجاسوس المنتسب للإسلام، فاختلاف العلماء في ذلك مشهور كما ستأتي أقوالهم في المطلب الآتي، وإنما المردود هو دعوى اختلافهم في كفر من ظاهر المشركين على المسلمين، ومحاولة نقض هذا الإجماع بالاستدلال بقصة حاطب رضي الله تعالى عنه، أو بالتعلق بشيء من العبارات المشتبهة لبعض العلماء، وأقبح من هذا من يجعلها أصلاً محكماً ويحاول جهده حمل الأحكام الواضحة الجلية القطعية عليها تعسفاً وتكلفاً فيُحدث اضطراباً في الأحكام ويبتدع أقوالاً مما لم تسمع به الأوائل، وما أجمل ما قاله الشيخ علوي السقاف في جواب له عن قصة حاطب: [وليعلم أنه لم يقل أحدٌ من أهل السنة أنَّ حاطباً -رضي الله عنه- كَفَر، أو أنَّ ما صدر منه ليس موالاةً أو ذنباً، أو أنَّ مظاهرة الكافرين على المسلمين ليست كفراً، فكلُّ ذلك متفقون عليه فلا ينبغي أنَّ يحدث نوع خلافٍ وشرٍ فيما كان من مسائل الاجتهاد طالما أنَّ الجميع متفقون على مسائل الاعتقاد اهـ]. (?)

فمظاهرة الكفار على المسلمين كفرٌ باتفاق العلماء.

وحاطبٌ -رضي الله عنه - لم يكفر باتفاق العلماء أيضاً، كما أن تجسس المسلم للكفار هو مولاة لهم باتفاق العلماء، إلا أن دخول جميع أشكال التجسس في معنى المظاهرة المكفِّرة ليس قطعياً في كل الصور، ومن هنا وقع الخلاف بين العلماء في كفر الجاسوس المنتسب للإسلام، فاختلافهم في حكم الجاسوس ليس اختلافاً في حكم المظاهرة، كما أن اتفاقهم في حكم المظاهرة لم يستوجب اتفاقهم في حكم الجاسوس، إذاً فليبق حكم المظاهرة سالماً من النقض مسلَّماً به عند الجميع، ويكون مجال البحث والنظر و (الاختلاف) حول أي صور التجسس التي تدخل في مسمى المظاهرة ومعناها لتأخذ حكمها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015