حكم من يقول: أي الدوافع المكفِّرة التي حملتك على ما فعلت؟ وهذا أيضاً بعيد ما دام ما يترتب عليها واحداً لا يختلف.

إلا أن هذا التقرير مدخولٌ باعتبار أن الدافع الذي قد يقع عليه السؤال لا يختص بالمحرك والباعث القلبي فقط، بل قد يتوجه هذا السؤال حتى في حق من يُرى أنه ارتكب كفراً صريحاً لمعرفة إن كان له عذرٌ شرعيٌ معتبرٌ أم لا، كما جاء في حديث الرجل الذي أمر أبناءه بحرقه بعد موته عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ، رَغَسَهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ " رواه البخاري، ومسلم (?) ولهذا نظائر.

القضية الثانية: تتعلق بجواب حاطب رضي الله عنه، إذ إنه لم يقتصر في جوابه على بيان الدافع للفعل وهو قوله: [أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ القَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ] وهو ما سأله عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -،بل قرنه بأن ذلك لم يكن لأجل الردة عن الدين، أو الكفر والرضى به، أو التبديل والتغيير، وهذا يعني أن حاطباً قد تقرر عنده أن ما حمله على كتابة الرسالة (حفظ الأهلين) قد يكون مقروناً بدافع آخر وهو الردة والكفر والرضى به، فبين أن هذا الأمر منتف في حقه وليس شيء منها مما حمله على فعله، ولهذا جاء معلّلاً كقوله: [وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ]،ولو كان مجرد كتابته إلى كفار قريش ما كتب يعد فعلاً صريحاً في الكفر لكان هذا التعليل لا معنى له، لأن من فعل الكفر الصريح القطعي لا ينفعه قوله إنني لم أقصد بفعلي الكفر، فمن سجد للصنم مثلاً لا ينفعه أن يقول لم أسجد إليه كفراً، ولا ارتداداً، ولا رضى بالكفر بعد الإيمان، لأن نفس السجود للصنم يعد كفراً سواء فعله لأجل الكفر أو غيره، والشيء لا يعلَّلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015