لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ. أَمَا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانَهُ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ». (?)
ثالثاً: نعم قد يكون مآل فعل حاطب ونتيجته هو حصول نكاية في المسلمين، وذلك بتأهبهم بعد علمهم بالنفير إليهم، إلا أن هذا لم يكن مقصده ولا مراده لا باطناً ولا ظاهراً يدل على ذلك ما ضمنه رسالته من تفتيت عزمهم، وتثبيط هممهم، وتفخيم شأن جيش الإسلام الزاحف إليهم، والتأكيد على نصرة الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ولو جاءهم وحده، فهذه كلها تدل على أن أقصى ما أراد أن ينتفع به الكفار من رسالته هو "إنقاذهم" من الاستئصال، وكي لا يُدَاهموا على حين غرة وأن "ينظروا لأنفسهم" وليكون ضمن المحفوظين من ذلك أبناؤه، فمسألة إعانة حاطب للمشركين في حربهم على المسلمين غير واردة لا في فعله، ولا في قصده، ولا في مضمون كتابه والذي وصَفَه بأنه [لا يضر الله ورسوله شيئاً] وإن كانت حقيقة فعله هي إخبار المشركين بأمرٍ من أمور المسلمين الخفية وإبلاغهم بذلك لينتفعوا بها هم لا ليضروا بها المسلمين، ومن هنا أدخلها من أدخلها من العلماء في باب الجاسوس لاشتراكهما في الفعل من هذه الحيثية، أعني الإسرار في تبليغ خبر ينتفع به الكفار.
ففرق كبيرٌ جداً بين من يقيم بين أظهر المسلمين ويتقصد البحث عن عوراتهم (نقاط ضعفهم)،ويتعمد التفتيش عن ثغراتهم وفجواتهم، ويجتهد في تتبع قادتهم وخفايا جيوشهم، والتعرف على مراكزهم، ثم يجتهد متخفياً في إيصالها إلى الكفار ليستفيدوا منها ويستعينوا بها في قتالهم وحربهم وتخطيطهم لاستئصال أهل الإسلام، وبين من سارَّ الكفار بخبر لينتفعوا به في حفظ أنفسهم و"الاحتياط لها" مقابل منفعة يتحصل عليها منهم، فهذا الثاني وإن كان موالاة لهم، ونوعاً من أنواع التجسس في الجملة -وهو عظيم في الدين-إلا أن صورة المظاهرة والمعاونة على المسلمين ليست فيها ببينة، ولهذا فالتكفير بها محتمل وليس