فَيُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى عِنْدَهُمْ إِلَّا بِالْمَرْأَةِ، لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ. وَالنَّاسِخُ لَهَا" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" [التوبة:5] إِذْ كَانَتْ بَرَاءَةٌ آخِرُ مَا نَزَلَتْ بِالتَّوْقِيفِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلُ كُلُّ مُشْرِكٍ إِلَّا مَنْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى تَرْكِهِ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، خِيفَةَ أَنْ يَعُودُوا حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ. ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ" فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً" قَالَ نَسَخَهَا" فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ".وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نسخها" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" [التوبة:5].وهو قول الحكم.

الثالث- أنها ناسخة، قاله الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ. رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضحاك" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" [التوبة:5] قَالَ نَسَخَهَا" فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً".وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ" فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً" فَلَا يُقْتَلُ الْمُشْرِكُ وَلَكِنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ وَيُفَادَى، كَمَا قال الله عز وجل. قال أَشْعَثُ: كَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ أَنْ يُقْتَلَ الْأَسِيرُ، وَيَتْلُو" فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً".وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَضَرْبُ الرِّقَابِ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا. ثُمَّ قَالَ:" حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ".وَزُعِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إِذَا حَصَلَ الْأَسِيرُ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، لَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي ثَلَاثَةِ مَنَازِلَ: إِمَّا أَنْ يَمُنَّ، أَوْ يُفَادِيَ، أَوْ يَسْتَرِقَّ.

الرَّابِعِ- قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَا يَكُونُ فِدَاءٌ وَلَا أَسْرٌ إِلَّا بَعْدَ الْإِثْخَانِ وَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ" [الأنفال:67].فَإِذَا أُسِرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا رَآهُ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ.

الْخَامِسِ- أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ، وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي كُلِّ حَالٍ، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدِينَ فَعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ، قَتَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا، وَفَادَى سَائِرَ أُسَارَى بَدْرٍ، وَمَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيِّ وَهُوَ أَسِيرٌ فِي يَدِهِ، وَأَخَذَ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ جَارِيَةً فَفَدَى بِهَا أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَبَطَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015