المبحث الرابع
جواز قتل الأسرى
الرد على من أنكر ذلك محتجا بقول الله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:4]،وبقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]
إن الأسير في الإسلام قد حضي بتشريع متكامل يحفظ له حقوقه ويردعه أيضاً عن انتهاك حقوق الناس، وقد كان فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الأسرى غاية في الحكمة، فله معاملات مع الأسير تتغير بتغير الظروف وأشخاص الأسرى، فنقول وبالله التوفيق والسداد:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَال (?):
الْأَوَّلِ- أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَهِيَ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَادُوا وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِمْ. وَالنَّاسِخُ لَهَا عِنْدَهُمْ قَوْلُهُ تعالى:" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" [التوبة:5] وَقَوْلُهُ:" فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ" [الأنفال:57] وقوله:" وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً" [التوبة:36] الآية، قاله قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ. وَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَوْزِيُّ: كُتِبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي أَسِيرٍ أُسِرَ، فَذَكَرُوا أَنَّهُمُ الْتَمَسُوهُ بِفِدَاءِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: اقْتُلُوهُ، لَقَتْلُ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا.
الثَّانِي- أَنَّهَا فِي الْكُفَّارِ جَمِيعًا. وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ النَّظَرِ، مِنْهُمْ قتادة ومجاهد. قالوا: إذ أُسِرَ الْمُشْرِكُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ، وَلَا أَنْ يُفَادَى بِهِ