تَعَالَى نَبِيَّهُ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا غَيْرَ كِتَابِيٍّ لَمْ يَجُزْ الشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ. لَنَا قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم -:" لَوْ كَانَ الِاسْتِرْقَاقُ ثَابِتًا عَلَى الْعَرَبِ " الْخَبَرَ اهـ. وَهُوَ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ مُعَاذٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٌ: «لَوْ كَانَ الِاسْتِرْقَاقُ جَائِزًا عَلَى الْعَرَبِ لَكَانَ الْيَوْمَ إنَّمَا هُوَ أَسْرَى» وَفِي إسْنَادِهِ الْوَاقِدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فِيهَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ وَهُوَ أَشَدُّ ضَعْفًا مِنْ الْوَاقِدِيِّ، وَمِثْلُ هَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ. وَقَدْ خَصَّتْ الْهَادَوِيَّةُ عَدَمَ جَوَازِ الِاسْتِرْقَاقِ بِذُكُورِ الْعَرَبِ دُونَ إنَاثِهِمْ. وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ الذُّكُورِ مِنْ الْعَرَبِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الِاسْتِرْقَاقُ لَهُمْ لَوَقَعَ، وَلَمْ يَرِدْ فِي وُقُوعِهِ شَيْءٌ عَلَى كَثْرَةِ أَسْرِ الْعَرَبِ فِي زَمَانِهِ - صلى الله عليه وسلم -،فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ وَلَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخِلَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَبْلِيغِ حُكْمِ اللَّهِ.

قَالَ فِي الْمَنَارِ مُسْتَدِلًّا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ: وَقَدْ اسْتَفْتَحَتْ الصَّحَابَةُ أَرْضَ الشَّامِ وَهُمْ عَرَبٌ، وَكَذَلِكَ فِي أَطْرَافِ بِلَادِ الْعَرَبِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْعَجَمِ وَلَمْ يُفَتِّشُوا الْعَرَبِيَّ مِنْ الْعَجَمِيِّ، وَالْكِتَابِيَّ مِنْ الْأُمِّيِّ، بَلْ سَوَّوْا بَيْنَهُمْ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ خِلَافُ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي جِنْسِ أُسَارَى الْكُفَّارِ جَوَازُ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْكُفَّارِ دُونَ بَعْضٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ نَاهِضٍ يُخَصِّصُ الْعُمُومَاتِ، وَالْمُجَوِّزُ قَائِمٌ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَفِعْلُهُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَانِعِينَ مِنْ اسْتِرْقَاقِ ذُكُورِ الْعَرَبِ حُجَّةٌ. وَقَدْ اسْتَرَقَّ بَنِي نَاجِيَةَ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ وَبَاعَهُمْ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ، وَبَنُو نَاجِيَةَ مِنْ قُرَيْشٍ فَكَيْفَ سَاغَتْ لَهُمْ مُخَالَفَتُهُ." (?)

الْفِدَاءُ بِالْمَال:

الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ فِي غَيْرِ رِوَايَةٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: جَوَازُ فِدَاءِ أَسْرَى الْحَرْبِيِّينَ الَّذِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015