يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحِقُّ لِلإِْمَامِ إِعْطَاءُ الأَْمَانِ لِلأَْسِيرِ بَعْدَ الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَاصَرْنَا تُسْتَرَ، فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ. قَالَ أَنَسٌ: فَبَعَثَ بِهِ أَبُو مُوسَى مَعِي إِلَى عُمَرَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْهِ سَكَتَ الْهُرْمُزَانُ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «تَكَلَّمْ».فَقَالَ: أَكَلَامُ حَيٍّ أَمْ كَلَامُ مَيِّتٍ؟ فَقَالَ: «بَلْ تَكَلَّمْ لَا بَأْسَ».فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ: إِنَّا وَإِيَّاكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ، مَا خَلَا اللَّهَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، كُنَّا نَقْتُلُكُمْ وَنُقْصِيكُمْ، فَلَمَّا كَانَ اللَّهُ مَعَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لَنَا بِكُمْ يَدَانِ، فَقَالَ عُمَرُ: «مَا تَقُولُ يَا أَنَسُ»؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَرَكْتُ خَلْفِي شَوْكَةً شَدِيدَةً وَعَدُوًّا كَثِيرًا، إِنْ قَتَلْتَهُ يَئِسَ الْقَوْمُ مِنَ الْحَيَاةِ، وَكَانَ أَشَدَّ لِشَوْكَتِهِمْ، وَإِنِ اسْتَحْيَيْتَهُ طَمِعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: «يَا أَنَسُ، أَسْتَحْيِي قَاتِلَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَمَجْزَأَةِ بْنِ ثَوْرٍ؟»،قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ، قُلْتُ: لَيْسَ إِلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ. قَالَ: «لِمَ؟ أَعْطَاكَ؟ أَصَبْتَ مِنْهُ؟» قُلْتُ: مَا فَعَلْتُ، وَلَكِنَّكَ قُلْتَ: تَكَلَّمْ فَلَا بَأْسَ. فَقَالَ عُمَرُ: «لَتُجِيئنِي مَعَكَ بِمَنْ يَشْهَدُ أَوْ لَأَبْدَأَنَّ بِعُقُوبَتِكَ».قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِذَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ قَدْ حَفِظَ مَا حَفِظْتُ، قَالَ: فَخَلَّا سَبِيلَهُ. فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ، فَفَرَضَ لَهُ عُمَرُ." (?) فَعَدُّوهُ أَمَانًا، وَلأَِنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ، وَالأَْمَانُ دُونَ الْمَنِّ، وَلاَ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَى حُكْمِ التَّمَنِّي وَالتَّشَهِّي دُونَ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَا عَقَدَهُ أَمِيرُ الْجَيْشِ مِنَ الأَْمَانِ جَازَ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَأَمَّا آحَادُ الرَّعِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، لأَِنَّ أَمْرَ الأَْسِيرِ مُفَوَّضٌ إِلَى الإِْمَامِ، فَلَمْ يَجُزْ الاِفْتِيَاتُ عَلَيْهِ فِيمَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَقَتْلِهِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُ آحَادِ الرَّعِيَّةِ، لأَِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - أَجَارَتْ زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ بَعْدَ أَسْرِهِ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَانَهَا. (?)

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،هَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،وَزَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ كَافِرٌ، ثُمَّ لَحِقَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بِالشَّامِ فَأَسَرَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا الْعَاصِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ» (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015