فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ»،فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ" (?)
يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِي الْغَنَائِمِ - وَمِنْهَا الأَْسْرَى فِي دَارِ الْحَرْبِ - وَقَبْل نَقْلِهِمْ لِدَارِ الإِْسْلاَمِ. قَال مَالِكٌ: الشَّأْنُ أَنْ تُقْسَمَ الْغَنَائِمُ وَتُبَاعَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ، وَرَوَى الأَْوْزَاعِيُّ أَنَّ رَسُول اللَّهِ وَالْخُلَفَاءَ لَمْ يَقْسِمُوا غَنِيمَةً قَطُّ إِلاَّ فِي دَارِ الشِّرْكِ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ العَزْلِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ العَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا العُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا العَزْلَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، وَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» (?)
فَإِنَّ سُؤَالَهُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْعَزْل فِي وَطْءِ السَّبَايَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ قَدْ تَمَّتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْجِيل مَسَرَّةِ الْغَانِمِينَ وَغَيْظِ الْكَافِرِينَ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ لِبَلَدِ الإِْسْلاَمِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْغَانِمُونَ جَيْشًا وَأَمِنُوا مِنْ كَرِّ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ. (?)
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْغَانِمَيْنِ التَّمَلُّكَ قَبْل الْقِسْمَةِ لَفْظًا، بِأَنْ يَقُول كُلٌّ بَعْدَ الْحِيَازَةِ، وَقَبْل الْقِسْمَةِ: اخْتَرْتُ مِلْكَ نَصِيبِي، فَتَمَلَّكَ بِذَلِكَ.
وَقِيل: يَمْلِكُونَ بِمُجَرَّدِ الْحِيَازَةِ، لِزَوَال مِلْكِ الْكُفَّارِ بِالاِسْتِيلاَءِ. وَقِيل: الْمِلْكُ مَوْقُوفٌ. وَالْمُرَادُ عِنْدَ مَنْ قَال يَمْلِكُونَ بِمُجَرَّدِ الْحِيَازَةِ: الاِخْتِصَاصُ، أَيْ يَخْتَصِمُونَ. (?)
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِجَوَازِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهُوَ قَوْل الأَْوْزَاعِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي ثَوْرٍ لِفِعْل الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - حيث لَمْ يَقْفِلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غَزَاةٍ قَطُّ أَصَابَ