وَلَنَا، عَلَى جَوَازِ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4].وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، وَأَبِي عَزَّةَ الشَّاعِرِ، وَأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَقَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: لَوْ كَانَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ سَأَلَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى، لَأَطْلَقْتهمْ لَهُ. وَفَادَى أُسَارَى بَدْرٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِأَرْبَعِمِائَةٍ، وَفَادَى يَوْمَ بَدْرٍ رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ، وَصَاحِبَ الْعَضْبَاءِ بِرَجُلَيْنِ.

وَأَمَّا الْقَتْلُ؛ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَتَلَ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَهُمْ بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ وَالسَّبْعِمِائَةِ، وَقَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، صَبْرًا، وَقَتَلَ أَبَا عَزَّةَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهَذِهِ قَصَصٌ عَمَّتْ وَاشْتَهَرَتْ، وَفَعَلَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّاتٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهَا.

وَلِأَنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ

قَدْ تَكُونُ أَصْلَحَ فِي بَعْضِ الْأَسْرَى، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ وَنِكَايَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَبَقَاؤُهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ

،فَقَتْلُهُ أَصْلَحُ، وَمِنْهُمْ الضَّعِيفُ الَّذِي لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَفِدَاؤُهُ أَصْلَحُ، وَمِنْهُمْ حَسَنُ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ، يُرْجَى إسْلَامُهُ بِالْمَنِّ عَلَيْهِ، أَوْ مَعُونَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ بِتَخْلِيصِ أَسْرَاهُمْ، وَالدَّفْعِ عَنْهُمْ، فَالْمَنُّ عَلَيْهِ أَصْلَحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْتَفَعُ بِخِدْمَتِهِ، وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، فَاسْتِرْقَاقُهُ أَصْلَحُ، كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَالْإِمَامُ أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَوَّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ، وقَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:5] عَامٌّ لَا يُنْسَخُ بِهِ الْخَاصُّ، بَلْ يَنْزِلُ عَلَى مَا عَدَا الْمَخْصُوصَ، وَلِهَذَا لَمْ يُحَرِّمُوا اسْتِرْقَاقَهُ، فَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، فَفِي اسْتِرْقَاقِهِمْ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَجُوزُ.

وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ فِي الْعَجَمِ دُونَ الْعَرَبِ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. وَلَنَا، أَنَّهُ كَافِرٌ لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ، فَلَمْ يُقَرّ بِالِاسْتِرْقَاقِ كَالْمُرْتَدِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلِيلَ عَلَيْهِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا تَخْيِيرُ مَصْلَحَةٍ وَاجْتِهَادٍ، لَا تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ، فَمَتَى رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ، تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهَا، وَمَتَى تَرَدَّدَ فِيهَا، فَالْقَتْلُ أَوْلَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015