من هذه المواقف: أن ينظر إلى نفسه بأنه بلغ مرتبة الدعاة الكِبار في النضج، وسداد الرأي، وسعة العلم، وانتشار الصيد؛ وفضل السابقة، وهو شابٌ حدث لم يكتمل بعد علمًا، ولم ينضج رأيًّا، ولم يتأهل داعية؛ اللهم أنه قد يُحْسِنُ الكلام، ويجيد التحدث والإلقاء. وهل تكوين الدعاة مقصور على إتقان فن الكلام وطلاقة الحديث، وغرابة اللسان؟

ومن هذه المواقف: أن يدعي أنه أوتي ذكاء وطاقة ومواهب وسياسة، مما يؤهله أن يكون قائدًا للدعوة، وإمامًا على المسلمين، ومرشدًا كبيرًا من المرشدين الربانيين، وهو في الواقع لا يصلح أن يكون رئيسًا على عشرة، وإمامًا في مسجد، واعظًا في قرية. وهل الدعاوَى العريضة المَنْقُوشة تجعل من أصحابها دعاة ورجالًا، أم الإخْلَاص وتزيين المواقف ولغة الأعمال؟

ومن هذه المواقف: أن يدعي لنفسه أنه أصبح عالمًا بأحكام الشريعة، فقيهًا في مسائل الدين والفتوى، بل أصبح مؤهلًا لئن يجيب على كل معضلة فقهية، لو عرضت إحداها على الخليفة الراشد عمر الفاروق لجمع لها أهل بدر. وهذا التجرأ على الفتيا بدون علم هو الجهل بعينه، والغرور بذاته، وهو من موجبات دخول النار، كما روي: ((أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار)).

وهل يجوز للداعية شرعًا أن يتصدى لكل فتوى وهو غير عالم بحكمها ودليلها وهل يَجُوز للداعية شرعًا أن يُجيب عن سؤال فقهي، وهو جاهل به غير مطلع على أقوال الأئمة فيه؟ بالطبع لا يجوز له ذلك، وإذا فعل فيكون آثمًا ومسئولًا عن فتواه أمام الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من أُفتي بغير علم؛ فإنما إثمه على مَن أفتاه)).

ومن هذه المواقف التي تَدُلّ على الغرور: أن يُعلن الداعية أمام الملأ أن جماعته التي يعمل معها ويَنْتَمي إليها، هي خير الجماعات وأفضلها، وأن طريقتها في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015