منه الأخبار الماضية والأحكام المحكمة، والأنباء القادمة. ثم يفاجئك بفتح ناظريك على المشاهد المستقبلة، من صور يوم القيامة ومناظر من الجنة والنار كأنك تراهما رأي العين؛ لتسمع لقطات لما يجري فيهما بين أهليهما: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} (الزخرف: 77)، وقال أهل الجنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (الزمر: 74).

وتلقَى فيه الحوار الممتع، والمناظرة المُفحِمَة في الوقت الذي يَعُجّ بالحجج العقلية، والمُؤثرات العاطفية؛ كل ذلك بأسلوب يتلمس الناظر فيه رقة التعبير عند الترغيب، وقوة التأثير عند الترهيب، ويَلْمَحُ فيه كلمات الأنس التي يناجي بها القلوب اللينة؛ فيُبْقِي عليها شعورًا من الأنس، وطمأنينةً بعد القلق، في الوقت الذي تلتفت فيه عبارات التذكير؛ لتحرك الوجدان وتغذي الشعور، ثم تنعطف قوارع الترهيب، فتُهدد كيان النفس وتقذف الرُّعب في القلب.

وترى فيه المحكم والمتشابه، وتلقَى فيه المجمل والمفصل، كل ذلك وهو يتدفق بكلمات حانية ووعد صادق: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} (النساء: 147)، {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} (الشورى: 27)، ويهدد بألفاظ قارعة وعيد شديد: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء: 227).

كل ذلك بأسلوب آخاذ، وعبارات جذابة، وإيقاعٍ يتناسب مع كل موضوع ومع كل ذي روح ونَفَس، كل ذلك حتى يكون الخطاب شاملًا للخلق، مؤثرًا في النفس، مقيمًا للحجة؛ فمن لم يتأثر بالترغيب تأثر بالترهيب، ومن لم يتحرك قلبه تحرك عقله بالاستجابة: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (الزمر: 23).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015