الرفق في شيء جَعَله جَميلًا ومحبوبًا، ويكون ذلك بالمُعاملة الحسنة والكلمة الطيبة، والصفح الجميل، وهذا هو الذي يُصْلِحُ الأسلوب، ويَجْعَله مقبولًا لدى المدعوين. ومعنى قوله: ((شانه)) أي: جعله مقبوحًا ومكروهًا، ويكون بالألفاظ القاسية والأسلوب الجاف، والتجهم بالوجه، والتأفف من المدعو وأفعاله؛ مِمّا يُؤدي إلى إفساده وإفساد الدعوة ونفور المدعوين.
وإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عاتبه ربه إذ عبَس في وجه أحد المدعوين، وهو عبد الله بن أم مكتوم الأعمى، وقد كان جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله أن يُعلمه مما علمه الله، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الوقت مجتهدًا في مناقشة ومحاورة ودعوة أكابر قريش إلى الله -عز وجل- فانشغل بهم عن عبد الله بن أم مكتوم، وعبس في وجهه أن أراد أو حاولَ أنْ يَقْطَع حَديثه مع أكابر القوم ويصرفه عنهم، ونزلت سورة عبس كما هو مشهور.
فإذا عوتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فما حال بعض الدعاة الذين يتجهمون في وجوه الناس وكأن بينهم وبين المدعوين حربًا ضروسًا، وعداءً مستحكمًا.
فحري بالداعية أن يراجع أسلوبه فهو نصف النجاح إن لم يكن معظمه.
القاعدة الثالثة من قواعد الأسلوب الدعوي: الشفقة والنصح لا التوبيخ والفضح.
إن المدعوين مرضَى، والداعية هو الطبيب، والطبيب الناصح يكون شفيقًا بالمرضى؛ همه معالجتهم والأخذ بأيديهم إلى طريق الصحة، وإنقاذهم مما هم فيه، ولا يَجُوز له إلقاء اللوم ولا فضيحة المريض، ولا التشفي منه؛ فإنّ هذا يزيدهم مرضًا على مرض، وضياعًا على ضياع، وهمًّا على هم؛ لأجْلِ هذا وجب أن يكون أسلوب الداعية أسلوب الشفيق بمدعويه الرحيم بهم.