النفوس المُنطوية على الكِبْر، ألا ترى قول الله تعالى في شأن ذلك الرجل الغيور على دين الله والدعاة إليه: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِين * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُون * وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُون * إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِين} (يس: 20 - 24).
ألا ترى أنّ هذا الرجل قد وجه الإنكار إلى نفسه، في حين أنه يريد القول أنه لا يتّخِذُ من دون الله آلهة يعبدها، ويترك عبادة من يستحق العبادة، وهو الذي فطره مبينًا حال هذه الأصنام التي يَعْبُدها القوم من دون الله سبحانه، إنكارًا عليهم، وبيانًا لضلال عقولهم وقصور إدراكهم؛ ثُمّ يُبين أنه إذا فعل ذلك كان في ضلال مُبين.
ومن آداب الداعية مع السامعين: التلطف في القول، والرفق في المعاملة، مع تحري الإقناع. فلهذا شأنه في نجاح المرشد في مقام الدعوة إلى الخير، والقرآن الحكيم يرشد إلى ذلك في مواضع كثيرة؛ تأمل قوله تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125) أي: أحسن طُرق المُناظرة والمُجادلة من الرفق واللين؛ ليَسْكُن شَغبهم وتلين عريكتهم، وهذا بالنسبة للمعاندين المجادلين بالباطل.
وتأمل قول الله تعالى: {قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون} (سبأ: 25) وَهَذا أبلغُ في الإنصاف، وأبعد من الجدل والاعتساف، حيث أسند فيه الإجرام إلى أنفسهم، ومُطلق العمل إلى المخاطبين؛ مع أنّ أعْمَالَهُم أكْبَرُ الكبائر؛ فما بعد هذا التطلف طريق يُسار فيه، ولا وراء هذا الرفق غاية ينتهى إليها.