والثالث ما في ذلك من الإيجاز والاختصار، وذلك أنك تقول للواحد: صه وللاثنين: صه1 و"للجماعة: صه"2، وللمؤنث. ولو أردت المثال نفسه لوجب فيه التثنية والجمع والتأنيث، وأن تقول: اسكتا واسكتوا3 واسكتي واسكتن. وكذلك
جميع الباب.
فلما اجتمع في تسمية هذه الأفعال ما ذكرناه من الاتساع ومن3 الإيجاز ومن المبالغة عدلوا إليها بما ذكرنا من حالها. ومع ذلك فإنهم أبعدوا أحوالها من أحوال الفعل المسمى بها، وتناسوا تصريفه لتناسيهم، حروفه. يدل على ذلك أنك لا تقول: صه فتسلم كما تقول: اسكت فتسلم، ولامه فتستريح، كما تقول: اكفف فتستريح. وذلك أنك إذا أجبت4 بالفاء فإنك إنما تنصب لتصورك في الأول معنى المصدر، وإنما يصح ذلك لاستدلالك عليه بلفظ فعله؛ ألا تراك إذا قلت: زرني فأكرمك فإنك إنما نصبته لأنك تصورت فيه: لتكن زيارة منك فإكرام مني.
فـ"زرني" دل على الزيارة؛ لأنه من لفظه، فدل الفعل على مصدره كقولهم: من كذب كان شرًّا له، أي كان الكذب؛ فأضمر الكذب لدلالة فعله -وهو كذب- عليه، وليس كذلك صه؛ لأنه ليس من5 الفعل في قبيلٍ6 ولا دبيرٍ، وإنما هو صوت أوقع موقع حروف الفعل، فإذا لم يكن صه فعلًا ولا من لفظه قبح أن يستنبط منه معنى المصدر لبعده عنه.