حاضرة وقتًا وغائبة آخر. فأين هذا مما أفعاله ثابتة مستمرة. ولما كان هذا كلامًا الغرض فيه المدح والثناء اختاروا له أقوى اللفظين؛ لأنه يفيد أقوى المعنيين.
وكذلك قوله1 سبحانه: {وَاسْأَلِ 2 الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا 3} فيه3 المعاني الثلاثة. أما الاتساع فلأنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله, وهذا نحو ما مضى, ألا تراك تقول: وكم من قرية مسئولة, وتقول: القرى وتسآلك؛ كقولك: أنت وشأنك. فهذا ونحوه اتساع.
وأما التشبيه فلأنها شبهت بما يصح سؤاله لما كان بها ومؤلفًا4 لها. وأما التوكيد فلأنه في ظاهر اللفظ إحالة بالسؤال "على من"5 ليس من عادته الإجابة. فكأنهم تضمنوا لأبيهم -عليه السلام- أنه إن سأل الجمادات والجبال أنبأته بصحة قولهم, وهذا تناهٍ في تصحيح الخبر. أي: لو سألتها لأنطقها الله بصدقنا, فكيف لو سألت مَن مِن عادته الجواب.
وكيف تصرَّفت الحال فالاتساع فاشٍ في جميع أجناس شجاعة العربية.