قال أبو إسحاق1 في رفع الفاعل ونصب المفعول: إنما فعل ذلك للفرق بينهما ثم سأل نفسه فقال: فإن قيل: فهلا عكست الحال فكانت فرقًا أيضًا؟ قيل: الذي فعلوه أحزم وذلك أن الفعل لا يكون له أكثر من فاعل واحد وقد يكون له مفعولات كثيرة فرفع الفاعل لقلته ونصب المفعول لكثرته وذلك ليقل في كلامهم ما يسثقلون ويكثر في كلامهم ما يستخفون 2. فجرى ذلك في وجوبه ووضوح أمره مجرى شكر المنعم وذم المسيء في انطواء الأنفس عليه وزوال اختلافها فيه ومجرى وجوب طاعة القديم سبحانه لما يعقبه3 من إنعامه وغفرانه. ومن ذلك قولهم: إن ياء نحو ميزان وميعاد انقلبت عن واو ساكنة لثقل الواو الساكنة بعد الكسرة. وهذا أمر لا لبس في معرفته ولا شك في قوة الكلفة في النطق به. وكذلك قلب الياء في موسر وموقن واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها. ولا توقف في ثقل الياء الساكنة بعد الضمة لأن حالها في ذلك حال الواو الساكنة بعد الكسرة وهذا -كما تراه- أمر يدعو الحس إليه ويحدو4 طلب الاستخفاف عليه. وإذا كانت الحال المأخوذ بها المصير بالقياس إليها حسية طبيعية5، فناهيك بها ولا معدل بك عنها. ومن ذلك قولهم في سيد وميت وطويت طيًّا وشويت شيًّا: إن الواو قلبت ياء لوقوع الياء الساكنة قبلها في سيد وميت ووقوع الواو الساكنة قبل الياء في شيا وطيا. فهذا