وليس بمدع أن هذا باب مستور ولا حديث غير مشهور حتى إنه لا يعرفه أحد إلا الله وحده وإنما العادة في أمثاله عموم معرفة الناس به لفشوه فيهم وكثرة جريانه على ألسنتهم.
فإن قيل: فقد جاء عنهم في كتمان الحب وطيه وستره والبجح1 بذلك والادعاء له ما لا خفاء به؛ فقد ترى إلى اعتدال الحالين فيما ذكرت.
قيل: هذا وإن جاء عنهم فإن إظهاره أنسب2 عندهم وأعذب على مستمعهم ألا ترى أن فيه إيذانًا من صاحبه بعجزه عنه وعن ستر مثله ولو أمكنه إخفاؤه والتحامل3 به لكان مطيقًا له مقتدرًا عليه وليس في هذا من التغزل ما في الاعتراف بالبعل4 به وخور الطبيعة عن الاستقلال بمثله ألا ترى إلى قول عمر "بن أبي ربيعة"5:
فقلت لها ما بي من ترقب ... ولكن سري ليس يحمله مثلي6
وكذلك قول الأعشى:
وهل تطيق وداعًا أيها الرجل7
وكذلك قول الآخر:
ودعته بدموعي يوم فارقني ... ولم أطق جزعًا للبين مد يدي8