الخصائص (صفحة 1234)

باب في صدق النقلة وثقة الرواة والحملة:

هذا موضع من هذا الأمر، لا يعرف صحته إلا من تصور أحوال السلف فيه1 تصورهم2، ورآهم من الوفور والجلالة بأعيانهم، واعتقد في هذا العلم الكريم ما يجب اعتقاده له3، وعلم أنه لم يوفق لاختراعه4، وابتداء قوانينه وأوضاعه، إلا البر عند الله سبحانه، الحظيظ5 بما نوه به، وأعلى شأنه. أو لا يعلم أن أمير المؤمنين عليا -رضي الله عنه- هو البادئه والمنبه عليه والمنشئه والمرشد6 إليه. ثم تحقق7 ابن عباس، رضي الله عنه به، واكتفال أبي الأسود -رحمه الله- إياه. هذا، بعد تنبيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه، وحضه على الأخذ بالحظ منه، ثم تتالى السلف -رحمهم الله- عليه، واقتفائهم -آخرا على8 أول- طريقه. ويكفى من9 بعد ما تعرف10 حاله، ويتشاهد11 به من عفة أبي عمرو بن العلاء ومن كان معه، ومجاورا زمانه. حدثنا بعض أصحابنا -يرفعه- قال: قال أبو عمرو بن العلاء -رحمه الله: مازدت في شعر العرب إلا بيتا واحدا. يعنى مايرويه للأعشى من قوله:

وأنكرتنى وما كان الذى نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا

أفلا ترى إلى هذا البدر الطالع12 الباهر، والبحر الزاخر الذي هو أبو العلماء وكهفهم، وبدء13 الرواة وسيفهم، كيف تخلصه من تبعات هذا العلم وتحرجه، وتراجعه فيه إلى الله وتحوبه، حتى أنه لما زاد فيه -على سعته وانبثاقه، وتراميه وانتشاره- بيتا واحدا، وفقه الله للاعتراف به، "وجعل ذلك"14 عنوانا على توفيق ذويه وأهليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015