الخصائص (صفحة 1196)

ومنه قول الآخر:

إن الذئاب قد اخضرت براثنها ... والناس كلهم بكر إذا شبعوا1

أى إذا شبعوا تعادوا وتغادروا لأن بكرًا هكذا فعلها.

ونحو من هذا -وإن لم يكن الاسم2 المقول3 عليه علمًا- قول الآخر:

ما أمك اجتاحت المنايا ... كل فؤادٍ عليك أم

كأنه4 قال: كل فؤاد عليك حزين أو كئيب، إذ كانت الأم هكذا غالب أمرها لا سيما مع المصيبة، وعند نزول الشدة.

ومثله في النكرة أيضًا قولهم: مررت برجل صوفٍ تكته، أي خشنة، ونظرت إلى رجل خز قميصه أي ناعم، ومررت بقاع عرفجٍ كله أي جافٍ وخشن5. وإن جعلت "كله" توكيدًا لما في "عرفج" من الضمير فالحال واحدة؛ لأنه لم يتضمن الضمير إلا فيه من معنى الصفة.

ومن العلم أيضًا قوله:

أنا أبو بردة إذ جد الوهل6

أي أنا المغني7 والمجدي8 عند اشتداد الأمر.

وقريب منه قوله:

أنا أبوها حين تستبغي أبا9

أي أنا صاحبها10، وكافلها وقت حاجتها إلى ذلك.

ومثله وأحسن "صنعة11 منه":

لا ذعرت السوام في فلق الصبـ ... ـح مغيرًا ولا دعيت يزيدا12

أي لا دعيت الفاضل المغنى؛ هذا يريد13 وليس يتمدح بأن اسمه يزيد؛ لأن يزيد ليس موضوعًا بعد النقل عن الفعلية إلا للعلمية. فإنما تمدح هنا بما عرف من فضله وغنائه. وهو كثير. فإذا مر بك14 شيء منه فقد عرفتك طريقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015