الخصائص (صفحة 1193)

باب في نقض الأوضاع إذا ضامها 1 طارئ عليها:

من ذلك لفظ الاستفهام؛ إذ ضامه معنى التعجب استحال خبرًا. وذلك قولك: مررت برجل أي رجل. فأنت الآن مخبر بتناهي الرجل في الفضل، ولست مستفهمًا. وكذلك مررت برجل إيما رجل؛ لأن ما زائدة. وإنما كان كذلك لأن أصل الاستفهام الخبر والتعجب ضرب من الخبر. فكأن2 التعجب لما طرأ على الاستفهام إنما أعاده3 إلى أصله: من الخبرية.

ومن ذلك لفظ الواجب، إذا لحقته همزة التقرير عاد نفيًا، وإذا لحقت لفظ النفي عاد إيجابًا. وذلك كقول الله سبحانه: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} 4 أي ما قلت لهم، وقوله: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} 5 أي لم يأذن لكم. وأما دخولها على النفي فكقوله -عز وجل: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ} 6 أي أنا كذلك وقول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا7

أي أنتم كذلك. وإنما كان الإنكار كذلك لأن منكر الشيء إنما غرضه أن يحيله إلى عكسه وضده، فلذلك8 استحال به الإيجاب نفيًا، والنفي إيجابًا.

ومن ذلك أن تصف العلم، فإذا أنت فعلت ذلك فقد أخرجته به9 عن حقيقة ما وضع له، فأدخلته10 معنى لولا الصفة11 لم تدخله12 إياه. وذلك أن وضع العلم أن يكون "مستغنيًا بلفظه"13 عن عدة من الصفات، فإذا أنت وصفته فقد سلبته "الصفة له ما كان"14 في أصل وضعه مرادًا فيه: من الاستغناء بلفظه عن كثير من صفاته. وقد ذكرنا هذا الموضع فيما مضى. فتأمل هذه الطريق، حتى إذا ورد شيء منها عرفت مذهبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015