فإن "ما" وحدها ايضًا للنفي "وإن" و"لا" جميعًا للتوكيد، ولا ينكر اجتماع حرفين للتوكيد لجملة الكلام. وذلك أنهم قد وكدوا1 بأكثر من الحرف الواحد في غير هذا. وذلك قولهم: لتقومن ولتقعدن. فاللام2 والنون جميعًا للتوكيد. وكذلك قول الله -جل وعز: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} 3 فما والنون جميعًا مؤكدتان. فإما اجتماع الحرفين في قوله:
وما إن لا تحاك لهم ثياب
وافتراقهما في لتفعلن وإنا ترين فلأنهم أشعروا لجمعهم إياهما في موضع واحد بقوة عنايتهم بتوكيد ما هم عليه لأنهم كما جمعوا بين حرفين لمعنى5 واحد، كذلك أيضًا جعلوا اجتماعهما وتجاورهما تنويهًا وعلمًا على قوة العناية بالحال. وكأنهم حذوا ذلك على الشائع الذائع عنهم من احتمال6 تكرير الأسماء المؤكد بها في نحو أجمع7 وأكتع وأبضع8 وأبتع وما يجري مجراه. فلما شاع ذلك وتنوزع9 في غالب الأمر في الأسماء لم يخلو10 الحروف من نحوٍ منه، إيذانًا بما هم عليه مما11 اعتزموه ووكدوه. وعليه أيضًا ما جاء عنهم من تكرير الفعل فيه نحو قولهم: اضرب اضرب وقم قم وارم وارم وقوله:
أتاك أتاك اللاحقوك احبس احبس12