وهذا المشهد من أعظم المشاهد وأنفعها للعبد، وكلّما كان العبد أعظم توحيداً، كان حظُّه من هذا المشهد أتمَّ.
وفيه من الفوائد: أنه يحول بين القلب وبين العُجْب بالعمل، ورؤيته؛ فإنه إذا شهد أن الله سبحانه هو المانُّ به، الموفق له، الهادي إليه، شغله شهودُ ذلك عن رؤيته، والإعجاب به، وأن يصول به على الناس، فيُرفع من قلبه، فلا يعجب به، ومن لسانه، فلا يمنّ به، ولا يتكثّر به، وهذا شأن العمل المرفوع.
ومن فوائده: أنه يضيف الحمد إلى وليّه، ومستحقّه، فلا يشهد لنفسه حمداً، بل يشهده كلّه لله، كما يشهد النعمة كلّها منه، والفضل كله له، والخير كله في يديه، وهذا من تمام التوحيد، فلا يستقرّ قدمه في مقام التوحيد إلا بعلم ذلك وشهوده؛ فإذا علمه، ورسخ فيه، صار له مشهداً، وإذا صار لقلبه مشهداً، أثمر له من المحبة والأنس بالله، والشوق إلى لقائه، والتنعّم بذكره، وطاعته، ما لا نسبة بينه وبين أعلى نعيم الدنيا البتّة.
وما للمرء خير في حياته، إذا كان قلبه عن هذا مصدوداً، وطريق الوصول إليه عنه مسدوداً، بل هو كما قال تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (?).
المشهد السادس: مشهد التقصير: وأن العبد لو اجتهد في القيام بالأمر غاية الاجتهاد، وبذل وسعه، فهو مقصِّر، وحق الله سبحانه عليه أعظم، والذي ينبغي له أن يقابل به من الطاعة والعبودية