ما يعتمده أو جله مستحسنا مقبولا. وليحرص «12» الملك كل الحرص على أن يكون خبيرا بأمور رعيته فانه عند ذلك يخاف المسىء من خبرته قبل ان تنزله عقوبته ويستشرف المحسن مثوبته قبل ما يستحق ذلك بسببه وليجتهد الملك أكثر الجهد أن يتمكن في نفوس أهل مملكته انه لا يعجل بثواب ولا يبادر بعقاب ليدوم رجاء الراجي له، وخوف الخائف منه، ويكبر في نفوس الرعية خطره ويعظم لديهم شأنه، وليحسن الملك تدبير أمره فلا يدع ملابسة كثيرة لئلا يقع فيه الخلل والتضييع ولا يباشرن صغيرة لئلا يرى بعين المهانة والتحقير بل يكون معاينا للاخص مطالعا للاعم، يقرب في تباعد، ويبعد في تقارب حتى تتعادل أحوال ما يرعاه ويدبره ويوازن أصناف ما يكلائه ويعنى به وليس يجب أن يكون الملك نزر الكلام، ثقيل الطرف عند رد السلام ولا كثير النظر، سريع الرد، بل في الوسط من الحالين وفيما بين المنزلتين لئلا ينسب الى كبر ولا طيش ولا اعجاب ولا سخف وليدع الملك اليمين والحلف مصرحا أو معرضا فان اليمين من الحالف بها انما تكون على أحد وجهين. أما الاجتهاد في ان يصدق فيما يقوله وليس الملك مضطرا الى ذلك في حال من أحواله أو من عي اللسان وحاجته ان يستريح منه الى الايمان وهذا أيضا غير لائق بالملك لانه من العورات التي ان لم تكن بهم فقد كفاهم الله قبحها وان كانت فتحت عليهم طينها وسترها.

ومما يحتاج اليه الملك معرفة أهل الديانات الوثيقة والنيات السليمة والمروءات الصحيحة فيتخذهم أعوانه وخلصائه وثقاته ويجعلهم شعاره وبطانته فانه اذا توخى ذلك واعتمده ولم يدخله غلط فيه حسنت أحواله كلها واستقامت أفعاله وطهرت سريرته ونظفت علانيته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015