يجمع الى كذب القول، كذب الفعال. والاول انما كذبه في اللسان.
والمنزلة المتناهية في الكذب هي منزلة من يكذب باعتقاده، لانه يعتقد في نفسه ما لا يجده منه غيره فيكون المعجب قد جمع الكذب باللسان والفعال والاعتقاد. فان كان الكذاب «11» مذموما فالمرائي أذم منه، وان كان المرائي أشد في باب الذم من الكذب، فالمعجب أولى من المرائي الذي يتقدم في الكذب طبقته، واذا كان الملك أولى الناس بالبعد عن الكذب باللسان، وأزيد من ذلك أن يبعد عن الكذب بالفعال، وأزيد منهما أن يكون كاذبا بالاعتقاد الذي ينضاف اليه الكذب باللسان والفعال، وواجب عليه أن ينفى العجب بالتواضع، ويغني عن الكبر بلين الجانب، لانه لا شيء أجل من أن تقابل النعمة كلما عظمت بالشكر، ويجازي المنة كلما جلت بالحمد، كما كان من أخلاق رسول الله (صلى الله عليه) ولا خلق أولي بأن يتقبل من خلقه، وليس لاحد عظم شأنه ولا للملك وان عز سلطانه ان يظن بنفسه ارتفاعا عن حاله وقد كان التواضع سجيته وترك الكبر خليقته (صلى الله عليه) .
ومما يحق على الملك أن يفعله ولا يخلو منه مجالسة الحكماء ومعاشرة ذوي الراي والحجى، فان انطياعه لهم وتقبله مذاهبهم واخلاقهم يبعده عن أمر العامة الذي هو في غاية المضرة، ولا سيما على الملوك وذوي الاقدار العالية، وفي ذلك وحده لو لم يتعلق بغيره مجزي وكفاية، فكيف به اذا شذا الشيء بعد الشيء منهم وتعلق بحكمهم وعلومهم وفيما أثبت من توقيع انوشروان انه رفع اليه يسأل عن السبب في مجالسة أهل العلم والرؤساء من أهل كل صناعة. فوقع ان انتشار ذلك عنا تقوية لملكنا واضافة لعددنا. والوجه ان يعلم ان هذا الرأي الذي وقع لانوشروان،