لما كان هذا النظر مما يلزم الملوك تعلمه، ويليق بهم تقبله، فقد يحق على افاضلهم دراسته، ويجمل بهم وعيه وتحفظه، لانهم اذا فعلوا ذلك حتى يحكموا أسبابه وعلله استقامت آراؤهم، واذا استقامت آراؤهم صلحت أفعالهم، واذا صلحت أفعالهم عمّ نفع ذلك رعاياهم وجميع من يكون أمورهم. وان الصلاح والفساد اللذين يكونان في الازمنة والاوقات، انماهما باستقامة أفعال الملوك وأعوجاجهم فاذا صلحت تدبيراتهم بصواب الرأي وسداد الفعل في وقت، نسب ذلك الوقت الى أنه وقت حميد وزمان شديد واذا فسدت أحوالهم واضطربت مجاري أمورهم في آخر نسب الوقت الذي يقع فيه هذا الى انه وقت شديد، بما يعرض لاهله من الفساد وسوء التدبير، وأكثر الناس يظنون ان الملك يجري مجرى سائر الرياسات التي تستقيم لاكثر من منصب فيها، لما شاهدوه وجرى في عاداتهم من ان كل من يوضع في رئاسة ما يقوم بها وترجوا أفعاله فيها، وان كان غير مستحق لها ولا مضطلع بشأنها، لان خلله أما أن يكون مضرا يشعر به، أو يكون مما لا يتلافاه أعوانه وكفاته، أو يكون آخر أمره معروفا، فيهون صرفه والاستبدال به غيره، والملك فلا يحتمل خلة من الخلال التي ذكرناها، لانه أشرف منازل البشر قدرا وأعظم الامور خطرا، فأن الملك المقيم لنظام الملك بالتحقيق لا بالذي