لما خلق الله جل وعز الانسان مقصودا به، تلقا غرض يحس به نحوه، ومرهونا بخلقه نحو أمر من الامور، قصد به قصده، ركبه في جسد يلين بذلك المقصد، وجعل له من الآلات ما يشاكل الغرض المعتمد، كما انه لما خلق الاسد ذا شجاعة وجرأة جعله في ذي أيد وشدة، وجعل له من الآلات ما يوافق البطش والنجدة، من الانياب والمخاليب، الجارية مجرى ما يتخذه الناس من الاسلحة، وكما انه (عز وجل) لما خلق الفرس للاحضار «1» والسرعة، جعل جسمه مناسبا للحال التي خلقه لها، في الشكل والهيئة.
وكذلك لما خلق الانسان للتمييز والمقايسة جعله في جسد متأت للحال التي أرادها سبحانه، وجعل آلات جسده مشاكله لما ينحى به نحو هذه الغاية من اليد التي تليق بالصناعات المختلفة، والرجل التي على مثل هذه الحال زيادة، حتى انه لوعد ما بهيئة الانسان من يده وأكثر أعضائه في تصاريف الاحوال التي يحتاج اليها لكانت كثيرة معجبة الى ان جعله تعالى: لما أراد به من أن يكون زائدا على أحوال سائر الحيوان، في حسن «2» اللمس الذي به يقع صحة الاعتبار، في الاشياء المباشرة، ومعري الجسد من الشعر الكثيف الذي لما خلا غيره من الحيوان، أن يكون