لما فطر الله جل اسمه جسم الانسان، من عناصر يلحقها التحلل والسيلان، والانقسام، وهي النار والهواء والماء والارض، وجعل العمدة في بقاء روحه، وتسهيل تصاريف أفعاله الحارة والرطوبة، فان بهما كان نشوءه ونموه وعليها مدار حركته وجمهور أمره، ومن شأن الحرارة تحليل الرطوبة وافناؤها وفتها وابطالها لم يكن بدله اذ كان مركبا مما يفنى بعضه بعضا، ونقصه دائما متصلا من اخلاف مكان ما يبطل منه مثله، واعادة ما يضمحل من جملته الى حالة، ولم يوجد في ذلك أقرب الى ممايلة الانسان في الصيغة، ومشابهته في البنية من الحيوان والنبات لانهما مخلوقات من مثل العناصر التي خلق منها الانسان فجعل الله سبحانه، هذين الجنسين غذاءا له، لئلا يبطل جسمه الذي هو كالوعاء لنفسه، فهذا كان سبب الحاجة الى التغذي والامر الموجب له.