النار والحجر [1] وغير ذلك من الأمور الكامنة. فإن قلتم بذلك فقد تركتم قولكم.
وإن أبيتم فلا بدّ من القول. قال أبو إسحاق: وقد خلط أيضا كثير منهم فزعموا أن طباع الشيخ البلغم.
ولو كان طباعه البلغم، والبلغم ليّن رطب أبيض، لما ازداد عظمه نحولا، ولونه سوادا، وجلده تقبّضا.
وقال النّمر بن تولب [2] : [من الطويل]
كأنّ محطّا في يدي حارثيّة ... صناع علت منّي به الجلد من عل [3]
وقال الراجز [4] : [من الرجز]
وكثرت فواضل الإهاب [5]
قال: ولكنهم لما رأوا بدنه يتغضّن، ويظهر من ذلك التغضّن رطوبات بدنية كالبلغم من الفم، والمخاط السائل من الأنف، والرّمص [6] والدمع من العين، ظنوا أن ذلك لكثرة ما فيه من أجزاء الرطوبات. وأرادوا أن يقسّموا الصّبا والشباب، والكهولة والشيوخة على أربعة أقسام كما تهيأ لهم ذلك في غير باب.
وإذا ظهرت تلك الرطوبات، فإنما هي لنفي اليبس لها، ولعصره قوى البدن.
ولو كان الذي ذكروا لكان دمع الصّبا أكثر ومخاطه أغزر، ورطوباته أظهر. وفي البقول والرياحين والأغصان والأشجار ذلك؛ إذ كانت في الحداثة أرطب، وعلى مرور السنين والأيام أيبس.
قال الرّاجز [7] : [من الرجز]