وحدث له كثافة، إلى أن تعود أجزاؤه مطرا. فالماء ضدّ النار، والهواء خلاف لهما، وليس بضدّ. ولا يجوز أن ينقلب الجوهر إلى ضده حتى ينقلب بديّا إلى خلافه. فقد يستقيم أن ينقلب الماء هواء، ثم ينقلب الهواء نارا، وينقلب الهواء ماء، ثم ينقلب الماء أرضا. فلا بدّ في الانقلاب من الترتيب والتدريج. وكلّ جوهر فله مقدمات؛ لأن الماء قد يحيل الطين صخرا، وكذلك في العكس، فلا يستحيل الصخر هواء، والهواء صخرا، إلا على هذا التنزيل والترتيب.
وقال أبو إسحاق لمن قال بذلك من حذّاق أصحاب الأعراض: قد زعمتم أن النار التي عاينّاها لم تخرج من الحطب، ولكنّ الهواء المحيط بهما احتدم واستحال نارا. فلعلّ الحطب الذي يسيل منه الماء الكثير، أن يكون ذلك الماء لم يكن في الحطب، ولكنّ ذلك المكان من الهواء استحال ماء. وليس ذلك المكان من الهواء أحقّ بأن يستحيل ماء من أن يكون سبيل الدخان في الاستحالة سبيل النار والماء.
فإن قاس القوم ذلك، فزعموا أن النار التي عاينّاها، وذلك الماء والدخان في كثافة الدخان وسواده، والذي يتراكم منه في أسافل القدور وسقف المطابخ إنما ذلك هواء استحال، فلعلّ الرماد أيضا، هواء استحال رمادا.
فإن قلتم: الدّخان في أول ثقله المتراكم على أسافل القدور، وفي بطون سقف مواقد الحمامات، الذي إذا دبّر ببعض التدبير جاء منه الأنقاس [1] العجيبة أحق بأن استحال أرضيّا. فإن قاس صاحب العرض، وزعم أن الحطب انحلّ بأسره، فاستحال بعضه رمادا كما قد كان بعضه رمادا مرة، واستحال بعضه ماء كما كان بعضه ماء مرة، وبعضه استحال أرضا، كما كان بعضه أرضا مرة، ولم يقل إن الهواء المحيط به استحال رمادا، ولكنّ بعض أخلاط الحطب استحال رمادا ودخانا، وبعض الهواء المتصل به استحال ماء وبعضه استحال نارا، على قدر العوامل، وعلى المقابلات له.
وإذا قال صاحب العرض ذلك كان قد أجاب في هذه الساعة على حدّ ما نزّلته لك.
وهذا باب من القول في النار. وعلينا أن نستقصي للفريقين والله المعين.
وباب آخر، وهو أن بعض من ينكر كمون النار في الحطب قالوا: إن هذا الحرّ