الحيوان (صفحة 957)

فإن زعموا أن الفخار ليس ذلك التّراب، وذلك الماء، وتلك النار، وقالوا مثل ذلك في جميع الأخبصة [1] والأنبذة، كان آخر قياسهم أن يجيبوا بجواب أبي الجهجاه؛ فإنه زعم أن القائم غير القاعد، والعجين غير الدقيق. وزعم- ولو أنه لم يقل ذلك- أن الحبّة متى فلقت فقد بطل الصحيح، وحدث جسمان في هيئة نصفي الحبّة. وكذلك إذا فلقت بأربع فلق، إلى أن تصير سويقا، ثم تصير دقيقا، ثم تصير عجينا، ثم تصير خبزا، ثم تعود رجيعا وزبلا، ثم تعود ريحانا وبقلا، ثم يعود الرجيع أيضا لبنا وزبدا؛ لأن الجلّالة [2] من البهائم تأكله، فيعود لحما ودما.

وقال: فليس القول إلا ما قال أصحاب الكمون، أو قول هذا.

1269-[ردّ النظام على أصحاب الأعراض]

قال أبو إسحاق: فإن اعترض علينا معترض من أصحاب الأعراض فزعم أن النار لم تكن كامنة، وكيف تكمن فيه وهي أعظم منه؟ ولكنّ العود إذا احتكّ بالعود حمي العودان، وحمي من الهواء المحيط بهما الجزء الذي بينهما، ثم الذي يلي ذلك منهما، فإذا احتدم رقّ، ثم جفّ والتهب. فإنما النار هواء استحال.

والهواء في أصل جوهره حارّ رقيق، وهو جسم رقيق، وهو جسم خوّار، جيّد القبول، سريع الانقلاب.

والنار التي تراها أكثر من الحطب، إنما هي ذلك الهواء المستحيل، وانطفاؤها بطلان تلك الأعراض الحادثة من النارية فيه. فالهواء سريع الاستحالة إلى النار، سريع الرجوع إلى طبعه الأول. وليس أنها إذا عدمت فقد انقطعت إلى شكل لها علويّ واتصلت، وصارت إلى تلادها [3] ، ولا أنّ أجزاءها أيضا تفرقت في الهواء، ولا أنها كانت كامنة في الحطب، متداخلة منقبضة فيه، فلما ظهرت انبسطت وانتشرت.

وإنما اللهب هواء استحال نارا؛ لأن الهواء قريب القرابة من النار، والماء هو حجاز بينهما، لأنّ النار يابسة حارة، والماء رطب بارد، والهواء حارّ رطب، فهو يشبه الماء من جهة الرطوبة والصفاء، ويشبه النار بالحرارة والخفة فهو يخالفهما ويوافقهما؛ فلذلك جاز أن ينقلب إليهما انقلابا سريعا، كما ينعصر الهواء إذا استحال رطبا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015