الخفافيش بولدها ومن خوفها عليه، أنها تحمله تحت جناحها، وربّما قبضت عليه بفيها، وربّما أرضعته وهي تطير، وتقوى من ذلك، ويقوى ولدها على ما لا يقوى عليه الحمام والشّاهمرك، وسباع الطير.
وقال معمر أبو الأشعث: ربّما أتأمت الخفافيش فتحمل معها الولدين جميعا، فإن عظما عاقبت بينهما.
والخفّاش من الطير، وليس له منقار مخروط، وله فم فيما بين مناسر السّباع وأفواه البوم. وفيه أسنان حداد صلاب مرصوفة من أطراف الحنك، إلى أصول الفك، إلّا ما كان في نفس الخطم.
وإذا قبضت على الفرخ وعضت عليه لتطير به، عرفت ذرب أسنانها [1] ، فعرفت أي نوع ينبغي أن يكون ذلك العض، فتجعله أزما ولا تجعله عضّا ولا تنييبا ولا ضغما، كما تفعل الهرّة بولدها، فإنّها مع ذرب أنيابها، وحدّة أظفارها ودقّتها، لا تخدش لها جلدا، إلا أنها تمسكها ضربا من الإمساك، وتأزم عليها ضربا من الأزم قد عرفته.
ولكل شيء حدّ به يصلح، وبمجاوزته والتقصير دونه يفسد.
وقد نرى الطّائر يغوص في الماء نهاره، ثم يخرج منه كالشّعرة سللها من العيجن، غير مبتلّ الرّيش، ولا لثق الجناحين. ولو أنّ أرفق الناس رفقا، راهن على أن يغمس طائرا منها في الماء غمسة واحدة ثمّ خلّى سربه ليكون هو الخارج منه، لخرج وهو متعجّن الريش، مفسد النظم، منقوض التأليف. ولكان أجود ما يكون طيرانا أن يكون كالجادف. فهذا أيضا من أعاجيب الخفاش.
ومن أعاجيبها تركها ذرى الجبال وبسيط الفيافي، وأقلاب النخل، وأعالي الأغصان، ودغل الغياض والرياض، وصدوع الصّخر، وجزائر البحر، ومجيئها تطلب مساكن الناس وقربهم، ثم إذا صارت إلى بيوتهم وقربهم، قصدت إلى أرفع مكان وأحصنه، وإلى أبعد المواضع من مواضع الاجتياز، وأعرض الحوائج.