وأما القول في الهدهد، فإنّ العرب والأعراب كانوا يزعمون أنّ القنزعة التي على رأسه ثواب من الله تعالى على ما كان من برّه لأمّه! لأنّ أمّه لما ماتت جعل قبرها على رأسه، فهذه القنزعة عوض عن تلك الوهدة.
والهدهد طائر منتن الريح والبدن، من جوهره وذاته، فربّ شيء يكون منتنا من نفسه، من غير عرض يعرض له، كالتيوس والحيّات وغير ذلك من أجناس الحيوان فأمّا الأعراب فيجعلون ذلك النّتن شيئا خامره بسبب تلك الجيفة التي كانت مدفونة في رأسه. وقد قال في ذلك أميّة أو غيره من شعرائهم. فأمّا أميّة فهو الذي يقول [1] : [من الكامل]
اعلم بأنّ الله ليس كصنعه ... صنيع ولا يخفى على الله ملحد
وبكلّ منكرة له معروفة ... أخرى على عين بما يتعمّد
جدد وتوشيم ورسم علامة ... وخزائن مفتوحة لا تنفد
عمن أراد بها وجاب عنانها ... لا يستقيم لخالق يتزيّد
غيم وظلماء وغيث سحابة ... أزمان كفّن واستراد الهدهد [2]
يبغي القرار لأمّه ليجنّها ... فبنى عليها في قفاه يمهد [3]
مهدا وطيئا فاستقلّ بحمله ... في الطّير يحملها ولا يتأوّد [4]
من أمّه فجزي بصالح حملها ... ولدا، وكلف ظهره ما تفقد
فتراه يدلح ما مشى بجنازة ... فيها وما اختلف الجديد المسند [5]