والغراب لسواده إن كان أسود، ولاختلاف لونه إن كان أبقع، ولأنّه غريب يقطع إليهم، ولأنّه لا يوجد في موضع خيامهم يتقمّم، إلّا عند مباينتهم لمساكنهم، ومزايلتهم لدورهم، ولأنّه ليس شيء من الطير أشدّ على ذوات الدّبر من إبلهم من الغربان، ولأنه حديد البصر فقالوا عند خوفهم من عينه «الأعور» . كما قالوا: «غراب» لاغترابه وغربته «وغراب البين» ، لأنّه عند بينونتهم يوجد في دورهم.
ويسمّونه «ابن داية» ، لأنّه ينقب عن الدّبر حتّى يبلغ إلى دايات العنق وما اتصل بها من خرزات الصّلب، وفقار الظهر.
وللطّيرة سمّت العرب المنهوش بالسّليم، والبرّيّة بالمفازة، وكنوا الأعمى أبا بصير، والأسود أبا البيضاء، وسمّوا الغراب بحاتم، إذ كان يحتم الزّجر به على الأمور.
فصار تطيّرهم من القعيد والنّطيح [1] ومن جرد الجراد، ومن أن الجرادة ذات ألوان، وجميع ذلك- دون التّطيّر بالغراب.
ولإيمان العرب بباب الطّيرة والفأل عقدوا الرّتائم [2] ، وعشّروا إذا دخلوا القرى تعشير الحمار [3] ، واستعملوا في القداح الآمر، والناهي، والمتربّص. وهنّ غير قداح الأيسار.
ويدلّ على أنهم يشتقون من اسم الشيء الذي يعاينون ويسمعون، قول سوّار ابن المضرّب [4] : [من الوافر]
تغنّى الطائران ببين ليلى ... على غصنين من غرب وبان