وسمعت أبا حكيم الكيمائي وهو يقول لثمامة بن أشرس: قلنا لكم إنّنا ندلكم على الإكسير، فاستثقلتم الغرم، وأردتم الغنم بلا غرم. وقلنا لكم: دعونا نصنع هذه الجسور صنعة لا تنتقض أبدا، فأبيتم. وقلنا لكم: ما ترجون من هذه المسنّيات [1] التي تهدمها المدود [2] ، وتخرّبها المراديّ [3] ؟! نحن نعمل لكم مسنّيات [1] بنصف هذه المؤونة، فتبقى لكم أبدا. ثم قولوا للمدود أن تجتهد جهدها، وللمراديّ أن تبلغ غايتها فأبيتم. وقولوا لي: الذّباب ما ترجون منها؟! وما تشتهون من البعوض؟
وما رغبتكم في الجرجس [4] ؟ لم لا تدعوني أخرجها من بيوتكم بالمؤونة اليسيرة؟
وهو يقول هذا القول وأصحابنا يضحكون، وابن سافري جالس يسمع.
فلما نزلنا أخذ بيده ومضى به إلى منزله، فغدّاه وكساه وسقاه، ثمّ قال له:
أحببت أن تخرج البعوض من داري. فأمّا الذّباب فإني أحتمله. قال: ولم تحتمل الأذى وقد أتاك الله بالفرج؟ قال: فافعل. قال: لابدّ لي من أن أخلط أدوية وأشتري أدوية قال: فكم تريد؟ قال: أريد شيئا يسيرا. قال: وكم ذاك؟ قال: خمسون دينارا.
قال: ويحك! خمسون يقال لها يسير؟! قال: أنت ليس تشتهي الرّاحة من قذر الذّبّان ولسع البعوض! ثمّ لبس نعليه وقام على رجليه. فقال له: اقعد. قال: إن قعدت قبل أن آخذها ثمّ اشتريت دواء بمائة دينار لم تنتفع به؛ فإنّي لست أدخّن هذه الدّخنة، إلّا للذين إذا أمرتهم بإخراجهنّ أخرجوهن. ولا أكتمك ما أريد؛ إنّي لست أقصد إلّا إلى العمّار [5] . فما هو إلّا أن سمع بذكر العمّار حتى ذهب عقله، ودعا له بالكيس وذهب ليزن الدنّانير، فقال له: لا تشقّ على نفسك! هاتها بلا وزن عددا، وإنّما خاف أن تحدث حادثة، أو يقع شغل، فتفوت. فعدّها وهو زمع [6] فغلط بعشرة دنانير، فلما انصرف وزنها وعدّها فوجد دنانيره تنقص، فبكر عليه يقتضيه الفضل، فضحك أبو حكيم حتّى كاد يموت، ثمّ قال: تسألني عن الفرع وقد استهلك الأصل؟! ولم يزل يختلف إليه ويدافعه حتّى قال له ثمامة: ويلك أمجنون أنت؟! قد ذهب المال