يغمز، ولم يخدش. وإنّما هو على قدر منافرة الطّباع للطباع، وعلى قدر القرابة والمشاكلة.
وقد نجد الإنسان يغتمّ بتنقّض [1] الفتيلة وصوتها عند قرب انطفاء النار، أو لبعض البلل يكون قد خالط الفتيلة، ولا يكون الصّوت بالشّديد، ولكنّ الاغتمام به، والتكرّه له ويكون في مقدار ما يعتريه من أشدّ الأصوات. ومن ذلك المكروه الذي يدخل على الإنسان من غطيط النّائم، وليست تلك الكراهة لعلّة الشّدّة والصّلابة، ولكن من قبل الصّورة والمقدار، وإن لم يكن من قبل الجنس. وكذلك صوت احتكاك الآجرّ الجديد بعضه ببعض. وكذلك شجر الآجام [2] على الأجراف [3] ؛ فإنّ النّفس تكرهه كما تكره صوت الصّاعقة. ولو كان على ثقة من السّلامة من الاحتراق، لما احتفل بالصّاعقة ذلك الاحتفال. ولعلّ ذلك الصّوت وحده ألّا يقتله.
فأمّا الذي نشاهد اليوم الأمر عليه، فإنّه متى قرب منه قتله. ولعلّ ذلك إنّما هو لأنّ الشّي إذا اشتدّ صدمه فسخ القوّة أو لعلّ الهواء الذي فيه الإنسان والمحيط به أن يحمى ويستحيل نارا للذي قد شارك ذلك الصّوت من النّار. وهم لم يجدوا الصّوت شديدا جدّا إلّا ما خالط منه النّار.
وقال ابن حرب: الذّبّان قوت خلق كثير من خلق الله عزّ وجلّ، وهو قوت الفراريج، والخفافيش، والعنكبوت، والخلد، وضروب كثيرة من الهمج، همج الطير، وحشرات السّباع. فأمّا الطّير والسّودانيّات، والحصانيّات [4] ، والشاهمركات [5] ، وغير ذلك من أصناف الطّير؛ وأمّا الضّباع- فإنّها تأكل الجيف، وتدع في أفواهها فضولا، وتفتح أفواهها للذّبّان، فإذا احتشت ضمّت عليها. فهذه إنّما تصيد الذّبّان بنوع واحد، وهو الاختطاف والاختلاس، وإعجالها عن الوثوب إذا تلقّطته بأطراف المناقير، أو كبعض ما ذكرنا من إطباق الفم عليها.