الحيوان (صفحة 603)

قال: فإذا كان الإنسان يستقذر الذّبّان في مرقه وفي طعامه هذا الاستقذار، ويستقذر القمل مع محلّه من القرابة والنّسبة هذا الاستقذار فمعلوم أنّ ذلك لم يكن إلّا لما خص به من القذر. وإلّا فبدون هذه القرابة وهذه الملابسة، تطيب الأنفس عن كثير من المحبوب.

784-[لجاج الذّباب]

قال: وفي الذّبّان خبر آخر: وذلك أنّهنّ ربّما تعوّدن المبيت على خوص فسيلة وأقلابها [1] من فسائل الدّور، أو شجرة، أو كلّة [2] ، أو باب، أو سقف بيت، فيطردن إذا اجتمعن لوقتهنّ عند المساء ليلتين أو ثلاث ليال، فيتفرقن أو يهجرن ذلك المكان في المستقبل، وإن كان ذلك المكان قريبا، وهو لهنّ معرّض، ثمّ لا يدعن أن يلتمسن مبيتا غيره. ولا يعرض لهنّ من اللّجاج في مثل ذلك، مثل الذي يعرض لهنّ من كثرة الرّجوع إلى العينين والأنف بعد الذّبّ والطّرد، وبعد الاجتهاد في ذلك.

785-[أذى الذباب ونحوها]

وقال محمّد بن حرب: ينبغي أن يكون الذّبّان سمّا ناقعا؛ لأنّ كلّ شيء يشتدّ أذاه باللّمس من غيره، فهو بالمداخلة والملابسة أجدر أن يؤذي. وهذه الأفاعي والثعابين والجرّارات [3] قد تمسّ جلودها ناس فلا تضرّهم إلّا بأن تلابس إبرة العقرب وناب الأفعى الدّم ونحن قد نجد الرّجل يدخل في خرق أنفه ذباب، فيجول في أوله من غير أن يجاوز ما حاذى روثة أنفه وأرنبته [4] فيخرجه الإنسان من جوف أنفه بالنّفخ وشدة النّفس ولم يكن له هنالك لبث، ولا كان منه عضّ، وليس إلا ما مسّ بقوائمه وأطراف جناحيه، فيقع في ذلك المكان من أنفه، من الدّغدغة والأكال والحكّة، ما لا يصنع الخردل [5] وبصل النّرجس، ولبن التّين. فليس يكون ذلك منه إلّا وفي طبعه من مضادّة طباع الإنسان ما لا يبلغه مضادّة شيء وإن أفرط.

قال: وليس الشّأن في أنّه لم ينخس، ولم يجرح، ولم يخز ولم يعضّ، ولم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015