تروّ وتسكين يكون دريئة ... لهنّ بذي الأسراب في كلّ لاحب «1»
تضاءل حتّى لا تكاد تبينها ... عيون لدى الصرّات غير كواذب
حراص يفوت البرق أمكث جريها ... ضراء مبلّات بطول التّجارب «2»
توسّد أجياد الفرائس أذرعا ... مرمّلة تحكى عناق الحبائب «3»
قال دعبل الشاعر «4» : أقمنا عند سهل بن هارون فلم نبرح، حتّى كدنا نموت من الجوع، فلما اضطررناه قال: يا غلام، ويلك غدّنا! قال: فأتينا بقصعة فيها مرق فيه لحم [ديك عاس] «5» هرم ليس قبلها ولا بعدها غيرها لا تحزّ فيه السكين، ولا تؤثّر فيه الأضراس. فاطّلع في القصعة وقلّب بصره فيها، ثمّ أخذ قطعة خبز يابس فقلّب جميع ما في القصعة حتّى فقد الرأس من الدّيك وحده، [فبقي مطرقا ساعة] «6» ثمّ رفع رأسه إلى الغلام فقال: أين الرّأس؟ فقال: رميت به. قال: ولم رميت به؟ قال: لم أظنّك تأكله! قال: ولأيّ شيء ظننت أنّي لا آكله؟ فو الله إنّي لأمقت من يرمي برجليه [فكيف من يرمي برأسه] «7» ؟! ثم قال له: لو لم أكره ما صنعت إلّا للطّيرة والفأل، لكرهته! الرأس رئيس وفيه الحواسّ، ومنه يصدح الديك، ولولا صوته ما أريد؛ وفيه فرقه الذي يتبرّك به، وعينه التي يضرب بها المثل، يقال: «شراب كعين الديك» «8» ، ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم أر عظما قطّ أهشّ تحت الأسنان من عظم رأسه، فهلّا إذ ظننت أنّي لا آكله، ظننت أنّ العيال يأكلونه؟! وإن كان بلغ من نبلك أنّك لا تأكله، فإنّ عندنا من يأكله. أو ما علمت أنّه خير من طرف الجناح، ومن السّاق والعنق! انظر أين هو؟ قال: والله ما أدري أين رميت به! قال: لكنّي أدري أنّك رميت به في بطنك، والله حسيبك!