منتفخ، فصددت عنه، فلم ألبث أن لحقتني الكلاب. فلمّا أحسّ بها وثب كالبرق، بعد أن تحايد عن السّنن، فسألت عن ذلك فإذا ذلك من فعله معروف، وهو أن يستلقي وينفخ خواصره ويرفع قوائمه، فلا يشكّ من رآه من الناس أنّه ميّت منذ دهر، وقد تزكّر «1» بالانتفاخ بدنه، فكنت أتعجّب من ذلك، إذ مررت في الزّقاق الذي في أصل دار العبّاسيّة ومنفذه إلى مازن، فإذا جرو كلب مهزول سيّئ الغذاء، قد ضربه الصّبيان وعقروه ففرّ منهم ودخل الزّقاق، فرمى بنفسه في أصل أسطوانة وتبعوه حتّى هجموا عليه، فإذا هو قد تماوت فضربوه بأرجلهم فلم يتحرّك فانصرفوا عنه. فلمّا جاوزوا تأمّلت عينه فإذا هو يفتحها ويغمضها، فلمّا بعدوا عنه وأمنهم عدا، وأخذ في غير طريقهم فأذهب الذي كان في نفسي للثّعلب، إذا كان الثّعلب ليس فيه إلّا الرّوغان والمكر، وقد ساواه الكلب في أجود حيله.
ومع الكلب بعد ما ليس معه، إلّا أن يفخر بفروته «2» في موضع انتفاع النّاس به، فجعر الكلب للذّبحة أنفع منه، إذ كان في الذّبحة الموت وليس يقوم مقامه شيء.
وجلد الثّعلب منه عوض «3» .
قال صاحب الديك: شرار عباد الله من قتل أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم نجد شعراء النّاس شبّهوا أولئك القاتلين بشيء سوى الكلاب. قال أبو نضلة الأبّار، في قتل سلم بن أحوز المازنيّ، صاحب شرطة نصر بن سيّار اللّيثي، يحيى بن زيد وأصحابه، فقال: [من الطويل]
ألم تر ليثا ما الذي ختمت به ... لها الويل في سلطانها المتخاذل
كلاب تعاوت لا هدى الله سبلها ... فجاءت بصيد لا يحلّ لآكل
بنفسي وأهلي فاطميّ تقنّصوا ... زمان عمى من أمّة وتخاذل
لقد كشفت للنّاس ليث عن استها ... وغاب قبيل الحقّ دون القبائل
قال صاحب الديك: وروى هشيم عن المغيرة عن إبراهيم قال: لم يكونوا ينهوننا عن شيء من اللعب ونحن غلمان إلّا الكلاب.