لولا ابنها وسليلات لها غرر ... ما انفكّت العين تذري دمعها دررا
كأنّما الذّئب إذ يعدو على غنمي ... في الصّبح طالب وتر كان فاتّأرا
اعتامها اعتامه شثن براثنه ... من الضّواري اللّواتي تقصم القصرا
قال: في هذا الشعر دليل أنّ الذّئب إنّما يعدو عليها مع الصبح، عند فتور الكلب عن النّباح؛ لأنّه بات ليلته كلّها دائبا يقظان يحرس، فلمّا جاء الصّبح جاء وقت نوم الكلاب، وما يعتريها من النّعاس. ثم لم يدع الله على الذّئب بأن يأكله الأسد حتّى يختاره ويعتامه، إلّا والأسد يأكل الذئاب، ويختار ذلك. وإنما استطاب لحم الذّئب بفضل شهوته للحم الكلب.
وقال صاحب الدّيك: لم نر شريفا قطّ أجاز شاعرا بكلب، ولا حبا به زائرا، وقد رأيتهم يجيزون الشّعراء بالدّجاج «1» . وأعظم من ذلك أن لقيم الدّجاج، لما قال في افتتاح خيبر، وهو يعني النبي صلى الله عليه وسلم: [من الكامل]
رميت نطاة من النبيّ بفيلق ... شهباء ذات مناكب وفقار «2»
وهب له دجاج خيبر عن آخرها. رواه أبو عمرو، والمدائني عن صالح بن كيسان، ولتلك الدّجاج قيل: لقيم الدّجاج.
وقال صاحب الكلب: قال أبو الحسن: كان إياس بن معاوية وهو صغير، ضعيفا دقيقا دميما، وكان له أخ أشدّ حركة منه وأقوى، فكان معاوية أبوه يقدّمه على إياس، فقال له إياس يوما يا أبت! إنّك تقدّم أخي عليّ، وسأضرب لك مثلي ومثله: هو مثل الفرّوج حين تنفلق عنه البيضة، يخرج كاسيا كافيا نفسه، يلتقط، ويستخفّه الناس، وكلّما كبر انتقص، حتى إذا تمّ فصار دجاجة، لم يصلح إلّا للذبح. وأنا مثل فرخ الحمام حين تنفلق عنه البيضة عن ساقط لا يقدر على حركة، فأبواه يغذوانه حتّى يقوى ويثبت ريشه، ثمّ يحسن بعد ذلك ويطير، فيجد به الناس «4» ويكرمونه،