ويصطاد فيتحوّل عن وطنه عشر حجج، ثمّ هو على ثبات عهده وقوّة عقده، وعلى حفاظه وإلفه، والنّزاع إلى وطنه. فإن وجد فرجة ووافق جناحه وافيا وافاه وصار إليه، وإن كان جناحه مقصوصا جدف «1» إلى أهله، وتكلّف المضيّ إلى سكنه، فإمّا بلغ وإمّا أعذر.
والخطّاف يقطع إليهم من حيث لا يبلغه خبر، ولا يطؤه صاحب سفر؛ على أنّا لا نراه يتّخذ وكره إذا صار إليهم إلّا في أحصن موضع، ولا يحمله الأنس بهم على ترك التّحرّز منهم، والحزم في ملابستهم، ولا يحمله الخوف منهم على منع نفسه لذّة السّكون إليهم، ولا يبخس الارتفاق بهم حظّه.
والعصافير لا تقيم في دار إلّا وهي مسكونة، فإن هجرها الناس لم تقم فيها العصافير.
والسّنّور يعرف ربّة المنزل، ويألف فرخ الحمام، ويعابث فراريج الدار. إن سرق وربط شهرا عاد عند انفلاته، وانحلال رباطه.
والهرّة تعرف ولدها وإن صار مثلها، وإن أطعمت شيئا حملته إليه وآثرته به.
وربّما ألقي إليها الشيء فتدنو لتأكله، ويقبل ولدها فتمسك عنه، وترضّه له. وربّما طرح لها الشيء وولدها غائب عنها- ولها ضروب من النّغم، وأشكال من الصّياح- فتصيح ضربا من الصّياح يعرف أهل الدّار أنّه صياح الدّعاء لا غير ذلك. ويقال: «أبرّ من هرّة» «2» .
ومتى أرادت ما يريد صاحب الغائط، أتت مواضع تراب في زاوية من زوايا الدّار فتبحثه، حتّى إذا جعلت له مكانا كهيئة الحفرة جعلته فيها ثمّ غطّته من ذلك التّراب، ثمّ تشمّمت أعلى ذلك التراب وما ظهر منه، فإن وجدت شيئا من الرائحة زادت عليها ترابا، فلا تزال كذلك حتّى تعلم أنّها قد أخفت المرئيّ والمشموم جميعا «3» . فإن هي لم تجد ترابا خمشت وجه الأرض، أو ظهر السّطح، حتّى تبلغ في الحفر المبلغ، ومن ستر ذلك المجهود.
وزعم ناس من الأطبّاء أن السّنّور يعرف وحده ريح رجعه، فإنما يستره لمكان شمّ الفأر له، فإنها تفرّ من تلك الرائحة. أو يغطّيه لما يكون فيه من خلق من أخلاق