قال الشاعر في حسن الدّجاجة ونبل الديك «1» : [من الوافر]
غدوت بشربة من ذات عرق ... أبا الدّهناء من حلب العصير «2»
وأخرى بالعقنقل ثم رحنا ... نرى العصفور أعظم من بعير
كأنّ الدّيك ديك بني نمير ... أمير المؤمنين على السّرير
كأنّ دجاجهم في الدّار رقطا ... بنات الرّوم في قمص الحرير «3»
فبتّ أرى الكواكب دانيات ... ينلن أنامل الرّجل القصير
أدافعهنّ بالكفّين عنّي ... وأمسح جانب القمر المنير
وقال صاحب الكلب: الأشياء التي تألف الناس لا تريد سواهم كالعصفور والخطّاف والكلب والسّنور. والدّيك ممّا يتّخذه الناس، وليس ممّا يحنّ إليهم فيقطع البلاد نزاعا، فيكون كالقواطع من الطير التي تريدهم كالخطّاف، ولا هو من الأوابد كالعصفور الذي حيثما دار رجع إليهم، ولا هو كالكلب الذي لا يعرف سواهم، ولا هو كالأهليّ من السنانير التي متى ألفتهم لم تفارقهم، وتعسّ باللّيل، وتطوف في القبائل من دار إلى دار ثمّ لا يكون مرجعها إلّا إليهم. والدّيك في خلاف ذلك كلّه، ثمّ لا يألف منزله ولا يعرف ربعه، ثم لا يحنّ إلى دجاجه، ثمّ لا تتوق نفسه إلى طروقته، ولا يشتاق إلى ولده، ولا يعرف الذين غذوه وربّوه، بل لم يدر قطّ أنّ له ولدا، ولو كان درى لكان على درايته دليل، فإذ قد وجدناه لفراريجه وبيضه المخلوقة منه ومن نجله، كما نجده لما لم يلد ولما ليس من شكله أيضا ولا يرجع إلى نسبه، فكيف لا نقضي عليه بالنّقص، إذ كانت الأمور لا تعرف إلّا بهذا وشبهه!!.
وهو لا يعرف أهل داره، ولا يثبت وجه صاحبه الذي لم يخلق إلّا عنده، وفي ظلّه وتحت جناحه، ولم يزل في رزقه وعياله. والحمام ترجع إليه من مائتي فرسخ،