الحيوان (صفحة 351)

ويذكر الطاعة، ولا يتقرّب فيه بذكر سرعة النفوذ، ويبشر فيه بأنّ معه من القوّة المجعولة ما يتهيأ لمثله قضاء حاجته، فيكذب ثمّ لا يرضى بالكذب حتّى يقول قولا مستنكرا، ويدّعي قوّة لا تجعل له، ثمّ يستقبل بالافتراء على الله تعالى والاستبداد عليه، والاستغناء عنه- نبيّا قد ملك الجنّ والإنس والرّياح والطير، وتسيير الجبال، ونطق كلّ شيء، ثمّ لا يزجره فضلا عن أن يضربه، ويسجنه فضلا عن أن يقتله.

وبعد، فإن الله تبارك وتعالى لم يجعل ذلك القول قرآنا، ويترك التنبيه على ما فيه من العيب، إلا والقول كان صدقا مقبولا. وبعد، فإن هذا القول قد سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلاه على الناس، وما زالوا يتلونه في مجالسهم ومحاريبهم، أفما كان في جميع هؤلاء واحد يعرف معرفتك، أو يغضب لله تعالى غضبك؟!.

397-[دفاع عن الكلب]

قال صاحب الكلب: لو اعترضت جميع أهل البدو في جميع الآفاق من الأرض، أن تصيب أهل خيمة واحدة، ليس عندهم كلب واحد فما فوق الواحد لما وجدته. وكذلك كانوا في الجاهليّة، وعلى ذلك هم في الإسلام. فمن رجع بالتخطئة على جميع طوائف الأمم، والتأنيب والاعتراض على جميع اختيارات الناس، فليتّهم رأيه؛ فإنّ رأي الفرد ولا سيّما الحسود، لا يفي برأي واحد، ولا يرى الاستشارة حظا وكيف بأن يفي بجميع أهل البدو من العرب والعجم. والدليل على أنّ البدو قد يكون في اللّغة لهما جميعا قول الله عزّ وجلّ: وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي

»

ولو ابتلي صاحب هذا القول بأن ينزل البادية، لتحوّل رأيه، واستبدل به رأي من قد جرّب تقريب الكلب وإبعاده. وقد قال أبو عبّاد النميري: لا يكون البنيان قرية حتى ينبح فيه كلب، ويزقو فيه ديك.

ولمّا قال أحمد بن الخاركي: لا تصير القرية قرية حتّى يصير فيها حائك ومعلّم، قال أبو عبّاد: يا مجنون إذا صارت إلى هذا فقد صارت مدينة.

وللكلب إثباته وجه صاحبه، ونظره في عينيه وفي وجهه، وحبّه له، ودنوّه منه، حتّى ربّما لاعبه ولاعب صبيانه بالعضّ الذي لا يؤثّر ولا يوجع، وهي الأضراس التي لو نشّبها في الصخر لنشبت، والأنياب التي لو أنحى بها على الحصى لرضّها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015