ويقال: ليس في البهائم أطيب أفواها من الظباء.
وزعم علماء البصريّين، وذكر أبو عبيدة النحويّ، وأبو اليقظان سحيم بن حفص، وأبو الحسن المدائني، وذكر ذلك عن محمّد بن حفص عن مسلمة بن محارب، وهو حديث مشهور في مشيخة أصحابنا من البصريّين، أنّ طاعونا جارفا جاء على أهل دار، فلم يشكّ أهل تلك المحلّة أنّه لم يبق فيها صغير ولا كبير، وقد كان فيها صبيّ يرتضع، ويحبو ولا يقوم على رجليه، فعمد من بقي من المطعونين من أهل تلك المحلّة إلى باب تلك الدار فسدّه، فلمّا كان بعد ذلك بأشهر تحوّل فيها بعض ورثة القوم، ففتح الباب، فلمّا أفضى إلى عرصة الدّار إذا هو بصبيّ يلعب مع أجراء كلبة، وقد كانت لأهل الدار، فراعه ذلك، فلم يلبث أن أقبلت كلبة كانت لأهل الدار، فلمّا رآها الصبيّ حبا إليها، فأمكنته من أطبائها فمصّها، فظنّوا أنّ الصّبيّ لما بقي في الدار وصار منسيّا واشتدّ جوعه، ورأى أجراءها تستقي من أطبائها، حبا إليها فعطفت عليه، فلمّا سقته مرّة أدامت ذلك له، وأدام هو الطلب.
والذي ألهم هذا المولود مصّ إبهامه ساعة يولد من بطن أمّه، ولم يعرف كيفيّة الارتضاع، هو الذي هداه إلى الارتضاع من أطباء الكلبة. ولو لم تكن الهداية شيئا مجعولا في طبيعته، لما مصّ الإبهام وحلمة الثّدي، فلمّا أفرط عليه الجوع واشتدّت حاله، وطلبت نفسه وتلك الطبيعة فيه، دعته تلك الطبيعة وتلك المعرفة إلى الطلب والدنوّ، فسبحان من دبّر هذا وألهمه وسوّاه ودلّ عليه!!
ومثل هذا الحديث ما خبّر به عن بابويه صاحب الحمام. ولو سمعت قصصه في كتاب اللّصوص، علمت أنّه بعيد من الكذب والتزيد. وقد رأيته وجالسته ولم أسمع هذا الحديث منه، ولكن حدّثني به شيخ من مشايخ البصرة، ومن النّزول بحضرة مسجد محمد بن رغبان. وقال بابويه: كان عندي زوج حمام مقصوص، وزوج حمام طيّار، وفرخان من فراخ الزّوج الطيار. قال: وكان في الغرفة ثقب في أعلاها وقد كنت جعلت قدّام الكوّة «1» رفّا ليكون مسقطا لما يدخل ويخرج من الحمام، فتقدّمت في ذلك مخافة أن يعرض لي عارض فلا يكون للطّيار منفذ للتكسّب ولورود الماء. فبينا أنا كذلك إذ جاءني رسول السلطان، فوضعني في