يقول: الكلب وإن أخرسه البرد الذى يكون مع المطر والرّيح التي تمرّ بالصّحارى المطيرة فتبرد، فإنّ الكلب وإن ناله ذلك فإنّ ذلك من خصب، وليس ذلك من صرّ.
والكلب إذا ألحّت عليه السحائب بالأمطار في أيام الشتاء لقي جنّة فمتى أبصر غيما نبحه «1» ، لأنّه قد عرف ما يلقّى من مثله، وفي المثل: «لا يضرّ السّحاب نباح الكلاب» «2» فقال الشاعر: [من الطويل]
وما لي لا أغزو وللدّهر كرّة ... وقد نبحت نحو السماء كلابها
يقول: قد كنت أدع الغزو مخافة العطش على الخيل والأنفس، فما عذري اليوم والغدران كثيرة، ومناقع المياه موفورة.
والكلاب لا تنبح السحاب إلّا من إلحاح المطر وترادفه «3» .
وقال الأفوه الأوديّ، في نبح الكلاب السحاب، وذلك من وصف الغيم: [من الطويل]
له هيدب دان ورعد ولجّة ... وبرق تراه ساطعا يتبلّج «4»
فباتت كلاب الحيّ ينبحن مزنه ... وأضحت بنات الماء فيها تعمّج «5»
وقال أبو خالد النميريّ: وذكروا فرعون ذا الأوتاد عند أبي حيّة النميريّ، فقال أبو حيّة: الكلب خير منه وأحزم! قال: فقيل له كيف خصصت الكلب بذلك؟ قال:
لأنّ الشاعر يقول: [من الطويل]
وما لي لا أغزو وللدّهر كرّة ... وقد نبحت نحو السماء كلابها
وقال الفرزدق: [من الطويل]
فإنّك إن تهجو حنيفة سادرا ... وقبلك قد فاتوا يد المتناول «6»