أنه والبهيمة سيّان، وأنه والسّبع سيّان، ليس القبيح عنده إلّا ما خالف هواه وليس الحسن عنده إلّا ما وافق هواه، وأن مدار الأمر على الإخفاق والدّرك، وعلى اللذّة والألم، وإنما الصواب فيما نال من المنفعة، وإن قتل ألف إنسان صالح لمنالة درهم رديء. فهذا الدهريّ لا يخاف إن ترك الطّعن على جميع الكتب عقابا ولا لائمة، ولا عذابا دائما ولا منقطعا ولا يرجو إن ذمّها ونصب لها ثوابا في عاجل ولا آجل.
فالواجب أن يسلم هذا الكتاب على جميع البريّة، إذا كان موضعه على هذه الصّفة، ومجراه إلى هذه الغاية. والله تعالى الكافي الموفّق بلطفه وتأييده، إنه سميع قريب، فعال لما يريد.
ثم رجع بنا القول إلى الإخبار عن الحيوان، بأيّ شيء تفاضلت وبأيّ شيء خصّت، وبماذا أبينت. وقد عرفنا ما أعطيت في الشّمّ والاسترواح. قال الرّاجز «1» وذكر الذئب: [من الرجز]
يستخبر الرّيح إذا لم يسمع ... بمثل مقراع الصّفا الموقّع «2»
وقد عرفنا كيف شمّ السّنانير والسّباع والذئاب. وأعجب من ذلك وجدان الذّرّة لرائحة شيء لو وضعته على أنفك لما وجدت له رائحة، كرجل جرادة يابسة منبوذة، كيف تجد رائحتها من جوف جحرها حتى تخرج إليها، فإذا تكلّفت حملها فأعجزتها كيف تستدعي إليها سائر الذّرّ، وتستعين بكلّ ما كان منها في الجحر «3» .
ونحو شمّ الفرس رائحة الحجر من مسيرة ميل. والفرس يسير قدما والحجر خلفه بذلك المقدار، من غير تلفّت ولا معاينة من جهة من الجهات. وهذا كثير، وقد ذكرناه في غير هذا الموضع «4» .
فأمّا السّمع فدعنا من قولهم: «أسمع من فرس» «5» ،: «أسمع من فرخ