يعدّون القول في باب الفعل، وكلّما كان الخبر أغرب كانوا به أشدّ عجبا، مع عبارة غثّة، ومخارج سمجة.
وفيه عيب آخر: وهو أنّ معه من الطّول والكثرة ما لا تحتملونه، ولو غنّاكم بجميعه مخارق، وضرب عليه زلزل، وزمر به برصوما، فلذلك لم أتعرّض له.
وقد أكثر في هذا الباب أرسطاطاليس، ولم أجد في كتابه على ذلك من الشّاهد إلّا دعواه.
ولقد قلت لرجل من البحريّين: زعم أرسطاطاليس أنّ السّمكة لا تبتلع الطّعم أبدا إلّا ومعه شيء من ماء، مع سعة المدخل، وشرّ النفس. فكان من جوابه أن قال لي: ما يعلم هذا إلّا من كان سمكة مرّة، أو أخبرته به سمكة، أو حدّثه بذلك الحواريّون أصحاب عيسى، فإنهم كانوا صيّادين، وكانوا تلامذة المسيح.
وهذا البحريّ صاحب كلام، وهو يتكلّف معرفة العلل. وهذا كان جوابه.
ولكني لن أدع ذكر بعض ما وجدته في الأشعار والأخبار، أو كان مشهورا عند من ينزل الأسياف [1] وشطوط الأودية والأنهار، ويعرفه السّمّاكون، ويقرّ به الأطبّاء- بقدر ما أمكن من القول.
وقد روى لنا غير واحد من أصحاب الأخبار، أنّ إياس بن معاوية زعم أنّ الشّبّوطة كالبغل، وأنّ أمّها بنيّة، وأباها زجر [2] ، وأنّ من الدّليل على ذلك أنّ الناس لم يجدوا في بطن شبّوطة قطّ بيضا.
وأنا أخبرك أنّي قد وجدته فيها مرارا، ولكنّي وجدته أصغر جثّة، وأبعد من الطّيب، ولم أجده عامّا كما أجده في بطون جميع السمك.
فهذا قول أبي واثلة إياس بن معاوية المزني الفقيه القاضي، وصاحب الإزكان [3] ، وأقوف [4] من كرز بن علقمة، داهية مضر في زمانه، ومفخر من مفاخر العرب.